فتفهموا يابني قول ملائكة الله ربكم لمن ظلم نفسه بمساكنة من فسق وعصى ربه، فإنما عنى بقولهم {فيم كنتم}[النساء :97] أي ما فعلتم في أيام حياتكم فيما أمرتم به من الإنكار على من جاهر بالمعصية خالقكم وربكم، فقال الظلمة الخاسرون عند الندامة والحسرة وهم يعتذرون: {كنا مستضعفين في الأرض} [النساء:97] فلم تكذبهم الملائكة فيما ذكروا من استضعافهم وضعفهم، وقالت الملائكة لهم محتجين عليهم لربهم، مبكتين لهم موقعين على ما ارتكبوا من عظيم ذنبهم في المجاورة والمساكنة، وترك الإنتقال عن أهل المعصية والمجاهرة {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}[النساء:97].
ثم أخبر الله سبحانه عن هذه الطائفة الذين خاطبهم عندما توفتهم رسله من الملائكة فذكر تعالى سخطه عليهم وحكمه فيهم فقال: {فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا}[النساء:97] فلو لم ينزل الله نهيا عن مساكنة أهل المعصية، لكان ينبغي لمن عقل أن يفر ويهرب بنفسه وولده وحرمه من مجامع الناس وقراهم ومدنهم لظهور فساد الناس في المدن والقرى، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، وهم أظهر الناس فسقا، وألأمهم لؤما وأدقهم أخلاقا.
صفحة ٥٨