فافهم الله سبحانه واسمع من كان ذا فهم وعقل سامعا أن العلة التي حرم لها الخمر، هي ما ذكر أنها تحمل عليه، ويصير إليه من شربها من قبائح الفعل والمنكر فقال تعالى : {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91].
فذكر تبارك وتعالى فعل الخمر، وما تحمل من شربها من قبائح الأمر عندما يصير إليه من السكر، وما يوقع سكر الخمر بين من سكر بشربها من العداوة والبغضاء والنسيان لذكره، وما يصد به السكر من سكر عن الصلاة لله والذكر.
فزعم من فسق من سفهاء هذه الأمة ومن جهل اللسان العربي من هذه العامة أن الخمر إنما هي بما عمل من العنب، وليس ما قالوا في هذا بمعروف في اللسان عند العرب، إنما الخمر في عربي اللسان، وما يفهم عند العرب في البيان، ما خمر بالتعفين حتى أسكر، وقد يخرج اسم الخمر في اللسان أن يكون ما أفسد العقل وخامر، فكل مخامر للعقل بالإسكار من الأشربة فهي خمر.
والمخامرة فهي المخالطة، وما خالط من الأشربة العقل بالإسكار وخامره فهو خمر مخامر، وكذلك يفعل في المخامرة للعقل كل شراب مسكر، فما خامر وأسكر العقل كمخامرة الخمر وإسكارها ففعل فعلها كان عند من فهم عن الله مثلها، وإنما حرمت الخمر لمخامرتها للعقل بالإذهاب والسكر، وما تحمل عليه من الإثم والشرور والمنكر.
ولا فرق بين إسكار الأنبذة والخمر، بل النبيذ أشد للعقل إذهابا ومخامرة وإسكارا، فيما أخبرني به من شربهما جميعا ممن يدعي ملة الإسلام، وممن سألته من النصارى، فكل هؤلاء يزعمون أن النبيذ إذا شربوه كان أشد في السكر من خالص الخمر.
والنبيذ فيما يقولون أشد للعقل مخامرة بالفساد والسكر، وأحمل لمن شربه على أبواب الفضائح والفجور والكفر.
صفحة ٤٦