أوف كل أمرىء قدره، ولا تجاوز به حده، وتوق الجور في ذلك التوقي كله. أقبل على من تحجب بإبداء البشر وحلاوة العذر، وطلاقة الوجه ولين القول، وإظهار الود، حتى يكون رضاه عنك لما يرى من بشاشتك به وطلاقتك له، كرضا من تأذن له عنك لما يمنحه من التكريم، ويحويه من التعظيم؛ فإن المنع عند الممنوع في لين المقالة يكاد يكون كالنيل عند العظماء في نفع المنالة.
أنه إلي حالات كل من يغشى بابي من وجيه وخامل، وذي هيئة وأخي رثاثة، فيما يحضرون له بابي، ويتعلقون به من إتياني.
لا تحتقرن من تقتحمه العيون لرثاثة ثوب أو لدمامة وجه، احتقارا يخفى علي أثره، فربما بذ مثله بمخبره من يروق العيون منظره.
إنك إن نقصت الكريم ما يستحقه من مال لم يغضب بعد أن تستوهبه منه، وإن نقصته من قدره أسخطته أشد الإسخاط، إذ كان يريد دنياه ليصون بها قدره، ولا يريد قدره ليبقي به دنياه. فكن لتحيف عرضه أشد توقيا منك لتحيف ماله.
إن المحجوب وإن كان عدلنا في حجابه كعدلنا على المأذون له في إذنه، يتداخله انكسار إذا حجب ورأى غيره قد أذن له. فاختصه لذلك من بشاشتك به، وطلاقتك له، بما يتحلل به عنه انكساره. فلعمري لو عرف أن صوابنا في حجابه كصوابنا في الإذن لمن نأذن له، ما احتجنا إلى ما أوصيناك به من اختصاصه بالبشر دون المأذون له.
إن اجتمع الأعلون والأوسطون والأدنون، فدعوت بواحد منهم دون من يعلوه في القدر، لأمر لا بد من الدعاء به له، فأظهر العذر في ذلك لئلا تخبث نفس من علاه؛ فإن الناس يتغالب لمثل ذلك عليهم سوء الظنون. والواجب على من ساسهم التوقي على نفسه سوء ظنونهم، وعليهم تقويم نفوسهم؛ إذ هو كالرأس يألم لألم الأعضاء، وهم كالأعضاء يألمون لألم الرأس.
المدائني قال: قال زياد ابن أبيه لحاجبه:
صفحة ٥٦٩