وتراهم إذا رقصت المعضلات أرباب الدراية، ورنحت المشكلات أطواد الهداية، يصدرون أجوبتها غضة طرية، تارة مما نقحته الفكرة النبوية ، ومرة مما خزنته الحافظة النبوية؛ فجواباتهم في النظريات مطبقة لمفاصل الصواب، وفي النقليات مؤيدة بالسنة والكتاب.
وموضع التعجب من سعة علومهم مع سعة أعاديهم، وبقاء مذهبهم على كثرة معاديهم، وما زالت الأموية والعباسية والنواصب من الحشوية والنوابت من البكرية جادين في محو منارهم، ومجتهدين في طمس آثارهم.
ثم إن من عرف محنتهم ومجهول منتهم، أن يقوم الداعي منهم إلى كتاب الله تعالى كالهادي والمنصور، وأمثالهما من أئمة تلك العصور، قد جمع شرائط الإمامة المعتبرة شرعا، وكملت فيه أوصافها أصلا وفرعا، فتصم الأمة عن استماع دعوته، فيكون السبب لأكثرهم في عداوته، ما دعا قائمهم أهل زمانهم إلا حدجوه بأعيانهم، ورفضوه بإمكانهم، وجعلوا أصابعهم في آذانهم، وليتهم إذ لم يجيبوا دعوته لم يمزقوا فروته، وإذ لم يقبلوا حجته لم يعملوا بمكائدهم مهجته، وقد أحسن قائلهم حين أحزنته مقالتهم: [الخفيف]
جعلونا أدنى عدو إليهم .... فهم في أعراضنا آكلونا
أنكروا حقنا وجاروا علينا .... وعلى غير إحنة أبغضونا
وجزونا بالأسر والحبس والقت .... ل خلافا لما يقول أبونا
وأضاعوا الحقوق فينا ولم نع .... لم بأنا إليهم مذنبونا
غير أن النبي منا وأنا .... لم نزل في صلاحهم راغبينا
إن دعونا إلى الهدى لم يجيبو .... نا وكانوا عن الهدى ناكبينا
أو أمرنا بالعرف لم يسمعوا منا .... وردوا نصيحة الناصحينا
صفحة ٤٥