يمكن اعتبار النص الإغريقي الذي نقلنا عنه هذه المسرحية تابعا لمذاهب الفلاسفة عديمي المدارس، ومبنيا تبعا لما يبدو، بعد البحث الدقيق، أنه أضبط ما وصل إليه الناشرون والنقاد السابقون. وقد ذكرت بعض الحواشي في حالات قلائل ولأسباب خاصة. واتبع ترتيب نوك
Nauck
للكوروسات مع قليل من الاستثناءات. •••
كان يوريبيديس كاتبا واقعيا له خيال الشعراء. لقد جعل الناس يفكرون وجعلهم يواجهون المشاكل التي يسرهم التفكير فيها. قص عليهم الحكايات القديمة، وكتب عن قدامى الآلهة، فصحا سامعوه، على الأقل، من نشوة إيمانهم بالآلهة.
كان يوريبيديس ثائرا فكريا، محبا للتجديد في أكثر من ناحية؛ إذ تعبر فلسفته حقبة ألفي عام وتربط بين عصره وعصرنا. ومع ذلك فبينما كان النقاش على أشده حول يوريبيديس، اضطر جمهوره إلى التأمل في إنتاج ذهنه الحاد والإصغاء إلى شعره المتدفق. وكان ذلك المجدد إبان عصره أشهر شاعر في بلاد الإغريق طرا، وكان قبل موته على يقين من أن شهرته لن تموت. •••
قلنا إن يوريبيديس ولد حوالي سنة 480ق.م. في العام الذي استعرت فيه نار موقعة سالاميس البحرية العظيمة التي التقى فيها الأغارقة بالأسطول القوي لإكسيركسيس
Xerxes
ملك فارس، ومزقوه شر ممزق. ويقول التاريخ إن ذلك العام شهد أحداثا جساما لثلاثة من أعظم كتاب الأغارقة؛ فقد حارب أيسخولوس في سالاميس، ورقص سوفوكليس في كوروس الصبيان، وولد يوريبيديس، كل ذلك في نفس السنة التي وقعت فيها تلك المعركة. ويقول أيضا إن والد يوريبيديس كان محتالا ومفلسا، وإن والدته كانت بائعة خضراوات تبيع الخضر الفاسدة. بيد أن هذه الرواية ليست سوى تشهير كاذب اختلقه النقاد المعاصرون، وافتراء ابتدعه الشعراء الهزليون، الذين اتخذوا من يوريبيديس موضوعا لسخريتهم ... ولكننا نعرف أن والده نيسارخيديس كان من أسرة عريقة المحتد ميسورة الحال، وأنه كان يشغل منصبا وراثيا في معبد أبولو بمدينة فلوا
. أما والدته فكانت بعيدة كل البعد عن بيع الخضر إذ كانت من أصل نبيل.
كذلك زوجته لم تسلم من أمثال تلك القصص والمفتريات؛ فقيل إن زوجته الأولى كانت تدعى «الخنزيرة» وإنها كانت اسما على مسمى؛ ولذلك طلقها ليتزوج بأخرى تفضلها. غير أن هذه الأخيرة لم تكن خيرا من سابقتها، فطلقها أيضا. ومع ذلك، فيمكننا إهمال هذه القصص وغيرها؛ لأن منشأها الوهم والحقد.
صفحة غير معروفة