ضرر التناسل الكثير
ومن الظواهر العجيبة التي نراها في الشرق منذ التغلب الأوروبي زيادة عدد السكان، فقد كان المصريون في أول القرن لا يزيدون عن مليون وبلغوا في سنة 1900 عشرة ملايين وفي سنة 1917 أربعة عشر مليونا وفي سنة 1924 سبعة عشر مليونا، وكانت الهند في أول العهد الإنجليزي مائة مليون وبلغت الآن ثلاثمائة وخمسين مليونا، وكانت إندونيسيا في أول الاحتلال الهولندي عشرة ملايين وهي الآن ستون مليونا.
وبعض ممالك أوروبا آخذة في الازدياد مثل هولندا وإيطاليا وألمانيا، ولكن إنجلترا وفرنسا آخذتان في النقصان أو باقيتان حيث كانتا.
وهذا طبعا راجع لجملة أسباب، منها تقدم علوم حفظ الصحة وانتشار مبادئ المعرفة في مقاومة الأمراض وتقليل نسبة الوفيات، وفضلا عن ذلك فإن الشعوب الشرقية مضروب المثل بميلها وبكور قابليتها للتناسل والتوالد، والديانات الشرقية لا سيما الإسلام تحض على التناكح والتناسل وتنهى عن وأد الأطفال الذي كان شائعا في الجاهلية، وتقليل النسل وممارسة الإجهاض معدودان جريمتين دينيتين، كما أن الأخيرة منهما يعاقب عليها القانون. وكل شرقي عقيب الزواج يطمع في أن يكون له ولد يرثه ويحفظ اسم أسرته كما لو كان إمبراطورا عظيما! وأتباع المعري في اعتبار التناسل جريمة وجناية قليلون في الشرق الإسلامي، وهذا ناشئ أيضا عن شدة العاطفة الجنسية وعن أسباب اقتصادية، فإن الرجل الفقير في الشرق يحب أن يولد له أولاد ليعينوه في الحياة بعملهم المبكر سواء في الحقول أم في المدن.
وقد نعى أحد كتاب الفرنسيس، وهو ڤان جنيب السوسيولوجي، على أهل شمال أفريقيا كثرة الزواج والتبكير بالتناسل، وقرر في مقالة قيمة نشرها في مجلة مركوردي فرانس (أكتوبر سنة 1916) أن الإفراط في الزواج والتناسل قد أديا إلى هبوط المواهب العقلية وأورثا تلك الشعوب نوعا من الخمول الذهني. وهذا الأمر مشاهد في مصر أيضا حيث يفرط أفراد الطبقة الوسطى في تعاطي المخدرات ولا مأرب لهم منها إلا الاستمتاع فيأتي النسل عرضا غير مقصود بالذات، وتتراكم هموم الحياة وأثقالها على رب الأسرة فيذهب هو وأسرته ضحية لذة قصيرة تعقبها أفجع الحسرات من الفقر والدمار. ولا يغيب عن الذهن أن العهد الحديث قد جلب معه قضية المعيشة وكيف نبتغي أسباب الرزق في هذه الدنيا مع ما بلغناه من الفقر المدقع في جميع ناحيات الحياة، فإن الفقر أكبر بلية وهو أبو البلايا، وقد قال النبي: «كاد الفقر يكون كفرا» وعزي إلى الإمام علي أنه قال: «لو كان الفقر رجلا لقتلته.»
وإننا نرى بأعيننا ما هو منتشر في البلاد الشرقية والمصرية من ضروب الشقاء والعذاب الناشئين عن كثرة النسل والولد، ونشعر بما يقاسيه جانب كبير من أبناء الأوطان الشرقية من النصب والمضض في ابتغاء أسباب الرزق، وقد سنت الحكومة المصرية قانونا يجعل سن الزواج ست عشرة سنة للبنت وثماني عشرة سنة للولد، ولكن الفقهاء والمحامين الشرعيين ابتكروا طرقا لعقد الزواج العرفي الذي يجعل القانون حبرا على ورق، بل إن محاكم الجنايات حكمت بأن تغيير السن في ورقة الزواج لا يعد تزويرا يعاقب عليه، لأن عقد الزواج عمل لإثبات النكاح لا لإثبات العمر.
وهكذا سقط القانون في الماء وأن حجة أضداده قوية، فإن المحامين الشرعيين يرون فيه معطلا لأعمالهم، لأن الزواج بين من هم أقل من هذه السن يمنع من سماع الدعاوى الشرعية في النفقات والطاعة وثبوت الأبوة وما شاكلها، والرجل القضائي الواقف على حقائق الأمور يرى في زواج بنت الخامسة عشرة أو الرابعة عشرة إنقاذا لها من خطر أشد من الزواج بالنظر إلى الحالة الاجتماعية الحاضرة. وعلى كل حال فالزواج والشروع في تأسيس الأسرة أخف ضررا من الدعارة أو التفريط في العرض.
ولكن أضرار الزواج الباكر مؤكدة ومعلومة، ولا بد من مقاومته بكل الوسائل.
ثم بعد هذا ماذا يفيد أن تكون الأسرة مكونة من عشرة أطفال إذا كان تعليمهم ناقصا وغذاؤهم غير كاف ومستقبلهم غير مضمون، في حين أن الأسرة المؤلفة من ثلاثة أو أربعة أطفال تكون أقدر على مكافحة الدهر والخروج من ربقة الجهل والفقر؟
الإهمال في الادخار والاقتصاد
صفحة غير معروفة