وكل ما رأيناه في عمان وغير عمان من الفتن والقلاقل سببه نزاع بين الإخوة، حتى إن الأخ يغتصب حق أخيه والولد يقتل والده (كما وقع للأمير تويني من ولده سالم).
وكذلك يسعى الإنجليز بوسائلهم المعروفة بتأجير قوم من العرب يضربون على أوتارهم وينشرون الدعاية لهم ويلبسون ثياب الغش ويقولون عن أنفسهم بالباطل إنهم من مفكري العرب أو مصلحي الإسلام ولا هم لهم إلا ترويج السياسة الأجنبية الاستعمارية.
وكما أن المسلمين كانوا يعدون في أيام قوتهم بلاد الإفرنج بلاد حرب ويعلنون ذلك ويثبتونه في أحكامهم الشرعية والمدنية والجزائية، ولا يزال هذا الأمر حتى هذه الساعة في كتبهم، كذلك الدول الأوروبية الاستعمارية تعد جميع بلاد المسلمين بدون استثناء ممالك أعداء، فهم يسعون بكل الوسائل إلى منعهم من تسليح أنفسهم، وسواء أكانت البلاد الإسلامية صديقة لأوروبا أو معادية لها فمحكوم عليها عندهم بالسقوط تحت نير الاستعمار فلا يجوز لها أن تتسلح.
السياسة الاستعمارية وعمان
وهذا الحكم نفسه جرى على بلاد عمان.
فإنه قبل الحرب العظمى بسنتين 1912 حاولت إنجلترا تجريد أهل عمان من السلاح حتى تريح بالها من جهتهم، ولأن ثغورهم كانت مشهورة بتجارة السلاح شهرتها بتجارة اللؤلؤ والتمر الأسود فأوعزت إلى السيد تيمور أمير مسقط بجمع السلاح من أيدي الأهالي وشددت عليه في ذلك وهي تعلم أنه لا يخرج من يدها ولا يخالف أمرها وقد سافر إلى بلاد الإنجليز مرارا وقابله الملك جورج واحتفى به، ولأن تيمورا تربطه بالإنجليز معاهدات كثيرة أشد من معاهدات الحماية، فلما حاول ذلك انتقض عليه الأهلون وبايعوا غيره، وامتدت الثورة وعظم الخطب وزحف الثوار إلى مسقط وحصروا الأمير وكادوا يوقعون به لولا أن وردته نجدة إنجليزية حفظت له حياته، ودامت الثورة عامين واستقل الثائرون بالداخلية والجبل الأخضر وولوا عليهم إماما هو الرويحي وخلفه الخليلي، وقنع تيمور بالساحل ومدنه، وأخذت الداخلية في تدبير شئونها وقد فاز أهلوها باستبقاء أسلحتهم.
هذه مملكة عمان التي كانت أقوى دولة بحرية في آسيا ، قد آل أمرها بتلاعب إنجلترا واستسلام أمرائها لهم إلى سقوطها وصارت إمارة صغيرة محمية لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا ولا يقدر أميرها أن يأتي بأمر مهما كان تافها إلا إذا أشار به المعتمد الإنجليزي الذي غرس أقدامه من سنة 1800 في مدينة مسقط.
فنزف هذه الحقيقة إلى أولئك البله من أبناء جلدتنا الذين لا يزالون يحلمون بأن إنجلترا لا بد أن تؤسس لهم دولة عربية، ولا سيما الذين ينادون اليوم بضرورة تأليف الحلف العربي ...
وأما زنجبار والمستعمرات التي كانت لعمان في شرق أفريقيا فقد اقتسمتها إنجلترا مع ألمانيا وإيطاليا ولم يبق لسلطان زنجبار على بلاده إلا الاسم، وكان آخر أمراء زنجبار برغش بن سعيد المتوفى في سنة 1888.
وقد هدم الإنجليز والألمان دولة زنجبار التي تأسست سنة 1856 كما هدموا دولة عمان ودمروا أسطوليهما كما دمروا أسطول البحرين.
صفحة غير معروفة