أما الفضائل الخمس التي ذكرها فهي المحبة والبر والاحتشام والمعرفة والإيمان (أي عقيدة الرجل بنفسه) وقيل إنها السخاء والعدل واللطف والحكمة والبساطة، وقد ذكر الأرباب حينا فقال: «احترم جميع الأرباب، ولكن أبعدهم عنك ما استطعت.» ولعن الذين صنعوا الأصنام. ولما حضرته الوفاة عاده صديق له وقال له: ألا تصلي قبل موتك؟ فأجابه كونفوشيوس: أيليق بي أن أصلي؟!
قال صاحبه: نعم، صلوا لأرباب السماء وآلهة الأرض.
فقال كونفوشيوس: لقد صليت من زمن طويل.
وقد ذكرنا كونفوشيوس في هذا المقام لأنه كان من معاصري بوذا ولأن البوذية انتشرت انتشارا عظيما في الصين، وقلنا إنه بعد موت بوذا انشق أتباعه فرقا، فكانت منها فرقة اللاما بالتبت وهم يؤمنون بإله واحد وبالثالوث وبالجنة والنار والتناسخ ويزعمون أن اللاما إذا أشرف على الهلاك اختار صبيا صغيرا موعودا فتحل في الصبي روح اللاما ويصبح الصبي زعيما إلى أن يكبر فهو لاما منذ مات سلفه. وما اللاما إلا تجسيد لإلههم «لا» وهو يقيم على وضع التربيع في مكان خفي بقصر باتولي ويعبده أهل التبت، ولأتباع لاما فرقة في بورمانيا وأخرى في جداما.
ومن فروع البوذية «السينتوية» ومصدرها بلاد اليابان ، وهذه السينتوية قائمة على عبادة الأوثان، وكان اليابانيون يعبدون الشمس ثم عبدوا الحصان لأنه من أعوان الشمس، وللفرس صور معلقة في هياكلهم. واليابان لا يتعرضون للمذاهب الدينية ما دامت لا تمس سلامة الدولة ولا تقلق راحتها، ولذا سهل نشر الأديان المنزلة في اليابان.
والسينتيون يعتقدون بإله واحد خالق كل شيء وله صفات الكمال ولكنه منزه عن الشئون الدنيوية وقد تنازل عنها وسلمها لأرباب غيره، فإدارة العالم في أيدي أرواح كثيرة، وقاعدتهم التمتع بالسعادة في هذا العالم، ولا يعرفون إلا شيطان الثعلب لأنه أفتك الحيوان بزرعهم. وعندهم خمسة أمور يعولون عليها في دينهم: (1) نار طاهرة (2) التطهير الروحي وهو الخضوع التام للعقل والجسد، وهو الاحتراس من كل نجس كالدم وبعض اللحوم ومعاشرة السفهاء واستماع فحش القول (3) حفظ الأعياد الكثيرة (4) الحج إلى الأماكن المقدسة (5) عبادة الآلهة في الهياكل والبيوت.
ومن علومهم الخفية التي يكتمونها عن العامة القانون الأخير المتعلق ببداءة كل المخلوقات، ولا يبوح به الكهنة للطلاب إلا إذا تعهد الطالب بالكتابة أنه لا ينجس ذلك الشيء المقدس بإظهاره للعامة والجهال، وهذا القانون في كتابهم المسمى «أوداكي» وترجمته: «في بداية فتح كل الأشياء كان الخلود والخواء سابحين كما تسبح الأسماك في البحر للتنزه، فخرج منهما شيء متحرك وقابل للتغير، فصار ذلك الشيء نفسا أو روحا واسمه كونيتو كودا تسنوميكوتو.»
عبادة الفتيش في أفريقيا
عباد الفتيش يبلغون مائتي مليون من البشر الذين لا يزالون على حال من الهمجية وهم من أهل أفريقيا والجنس الأسود بصفة خاصة. ويراد بالفتيش الشيء الذي له روح أو خال من الروح كالشجر والصخر والبيض والشوك وعروق الحشائش والحبوب وغيرها. وقد شرح عبادتهم سير جون لوبوك (لورد أفبري) في كتابه «أصول المدنية»، وهربرت سبنسر في كتاب علم الاجتماع وهو الجزء الثالث والرابع من فلسفته. وبعض هؤلاء المتوحشين يعبدون الأصنام ويصورونها على هيئة إنسان أو حيوان مخيف أو عفريت أو من الجن، ومنهم من يدين بعبادة فتيش خاص يعتقد تعظيمه كالثعبان والنمر والتمساح والأليجاتور والغوانا، ومعظم عبدة الفتيش من سكان أواسط أفريقيا وغربها وشاطئ الذهب ونيجيريا وسنجامبيا. وهؤلاء الناس إذا اعترض عليهم المبشرون وعيروهم بعبادة هذه الفتيش من الجماد والحيوان ردوا عليهم بأن عقيدتكم توافقكم ونحن نمقتها ونهزأ بها، كذلك عقيدتنا توافقنا ولا يهمنا مقتكم إياها وسخريتكم منها. وممن يدينون بهذه الفتيش سكان الجزائر بالمحيط الهادي وهم من أهل الجمال وبلادهم غنية بأنواع الفواكه والثمار الشهية وشواطئهم ملآنة باللآلئ، وهم إباحيون لا سيما سكان «جزيرة الجمعية» الذين ألفوها بينهم لانتهاز فرصة الحياة والتمتع بكل ملاذها ومقاومة امتداد النسل. ومن هؤلاء الناس من يضحون بالبشر لمعبوداتهم الصخرية والخشبية.
وهم يعبدون الجمال بحيث إذا ولد لهم مولود مشوه أو دميم قتلوه. ويعتقدون بالسحر والأرواح الشريرة، ولكل قبيلة منهم رئيس سحرة اسمه كاجور، يعالجهم ويغنيهم ويستنزل لهم المطر ويتوسط بينهم وبين الفتيش، وإذا تدلل عليهم في إجابة طلب من مطالبهم قيدوه وضربوه حتى يستجيب لهم، وهم لا يعرفون الحلال والحرام بحسب معتقدات أصحاب الأديان المنزلة، ويكرهون أهل الجنس الأبيض، ولكنهم يكرمون الضيف ولا يطلعونه على أسرارهم، ولهم في الحرب شجاعة فائقة، ولهم ألعاب ومراقص وحفلات مدهشة، ويشوهون وجوههم وأبدانهم في سبيل ما يعتقدونه زينة كخزم الأنف والشفة العليا وتكبيرها ومطها والوشم على كامل البدن وغرس الدبابيس في الرأس والشعر وطلي الجسم بألوان زاهية.
صفحة غير معروفة