حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

محمد لطفي جمعة ت. 1372 هجري
166

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

تصانيف

والآن يدافع الأمير شكيب عن الحلف وينفي كونه دسيسة إنجليزية، قال:

قالوا إن الحلف دسيسة إنجليزية؛ لأن المقترح له هو الملك فيصل بن الحسين ووزيره نوري السعيد، وكل منهما لا يقول إلا ما تقوله له إنجلترا كما تقول البب ... (السطر 19، العمود الأول من جريدة الشورى، العدد 315)، وإنجلترا إذا اقترحت حلفا بين ملوك العرب فلا بد من أن يكون دسيسة، فاقتراح ملك العراق ووزير العراق هو بلا مراء دسيسة إنجليزية

وهل من المعقول أن إنجلترا تعمل لتقوية العرب؟ فلا جرم أنه لو لم يكن شركا للعرب لم ترض به إنجلترا. ويقولون: نعم هذا الحلف العربي لم يكن اقتراح الملك فيصل إياه إلا بناء على إشارة إنجلترا التي تريد به تأمين المواصلات البريطانية. كما أنه سيلقى عند الملك ابن سعود قبولا بواسطة أن فيلبي هو في جدة - والآن صار في مكة - سيحمل الملك على قبوله! أفليس فيلبي هو الذي يدير اليوم دفة الحجاز ونجد؟

لقد كنا نسمع أن فيلبي يفعل ما يشاء في الحجاز ولا نصدق، فالآن قد أثبت العيان ما طيره السماع.

هذه حجج خصوم الحلف قد لخصها الأمير في مقاله، ثم أخذ يرد عليها تارة بلطف وطورا بعنف يدل على شدة إخلاصه وسلامة قلبه، قال وقد اختط خطة جديدة وهي الظن بأن سياسة إنجلترا قد تكون هذه المرة في مصلحة العرب، وسلم جدلا بأن الحلف العربي هو تنفيذ لرغبة إنجلترا ولا نريد أن نقول دسيسة إنجليزية. قال الأمير:

من أنبأكم بأن سياسة إنجلترا مبنية من أولها إلى آخرها على تفريق العرب شذر مذر؟ فالسياسة بحر لا يدرك قعره، والسياسة كل يوم في شأن، والسياسة تتلون بحسب الزمان والمكان والطوارئ والعوارض، فكما أن زيادة قوة العرب خطر على إنجلترا فكذلك زيادة ضعف العرب في الجزيرة خطر على إنجلترا، فإنجلترا ليست في البحر الأحمر وحدها، وهناك دول عظيمة متحفزة للوثوب فاغرة فاها للابتلاع تعد الطيارات بالألوف وتهيئ الجيوش والزحوف، وما تهيئ كل ذلك لمجرد الزينة بل لأجل العمل. فإن بقي العرب فيما هم عليه من تخاذل وتواكل وتفرق وشحناء فقد تقتحم هذه القوة الأجنبية عورتهم وتتولج ثغرتهم وتنزل في الجزيرة ويصعب بعد ذلك قلعها.

وحينئذ يرى الأمير شكيب أنه ربما كانت سياسة إنجلترا تغيرت هذه المرة، وأن الإنجليز يوعزون بالحلف لاتقاء هذا الخطر الداهم، وهذا الخطر معلوم أنه آت من جهة إيطاليا كما هو معلوم ومشهور، فالإنجليز الذين لن يستطيعوا محاربة إيطاليا لأسباب دولية وسياسية واقتصادية، قد فكروا في تقوية عرب الجزيرة أنفسهم، ليكون هؤلاء العرب صدا للفتح الإيطالي أو غيره. وعلى ذلك يقول الأمير:

فأما إذا كان ملوك الجزيرة متحالفين فقد يجوز أن يحسب المتحفز للوثوب حسابا، لأن الثلاثة أقوى من الواحد، ولأن الأمة العربية يومئذ تقوم كتلة واحدة في وجه المعتدي الأجنبي.

ثم أخذ الأمير يصرف العرب عن عداوة الإنجليز بلطف زائد أو يهون معاداتهم في الظروف الحاضرة، فقال:

لا تنظروا العدو من جهة واحدة وتقولوا هو من هنا، وجف القلم، فقد يكون العدو من جهتين، وقد يكون أحدهما وهو الجوعان (أي إيطاليا) أشد خطرا من الآخر وهو الشبعان (يعني إنجلترا)!

صفحة غير معروفة