ونكتفي من الطوائف الدينية التي كانت معروفة في عصر الميلاد بخمس منها، وهي طوائف الصدوقيين والفريسيين والآسين والغلاة والسامريين، وكل طائفة من هذه الطوائف الخمس مهمة في تاريخ العصر بمزية من المزايا التي تتوقف عليها قوة المذاهب الدينية.
فالصدوقيون هم في دعواهم أتباع «صدوق» وأسرته الذين تواترت الروايات بأنهم كانوا يتولون الكهانة في عهد داود وسليمان.
وكانت طائفتهم مهمة بمراكز أصحابها؛ لأنهم على الجملة أنصار المحافظة والاستقرار، وأصحاب الوجاهة والثراء.
وقد كانوا متشددين في إنكار البدع والتفسيرات، متشبثين بالقديم يؤيدون سلطان الهيكل والكهان، ويقبلون أقدم الكتب التي احتوتها التوراة، وهي كتب موسى - عليه السلام - ويرفضون ما عداها، ولا سيما المأثورات المنقولة بالسماع.
وتدعوهم المحافظة على النظام القائم إلى مسلك يناقض عقيدتهم فيما هو ظاهر من لوازمها، فقد كانوا أقرب اليهود إلى الأخذ بالحضارة اليونانية وعادات المعيشة في البيئات الرومانية، ومنهم من كان يدين ببعض المذاهب الفلسفية؛ كمذهب أبيقور، كما كان مفهوما في ذلك العصر، وقد كان الشائع عنه يومئذ أنه مذهب اللذة الحسية والمتعة بالترف والنعيم، ولكنهم في الواقع لا يناقضون سنتهم وسنة أمثالهم في كل زمن، فإنهم يحافظون على نظام المجتمع؛ لأنهم أصحاب اليد الطولى عليه، ولهذا يحبون متاعه ونعيمه، ويوفقون بينهم وبين أصحاب السلطان السياسي، وقد كانوا يومئذ من اليونان والرومان، ويملي لهم في هذه النزعة أنهم يؤمنون بأن الكتب اليهودية الأولى لا تذكر البعث ولا اليوم الآخر، ولا تعد الصالحين حياة بعد هذه الحياة، خلافا للطوائف الأخرى التي تؤمن بالبعث والحساب.
وقد كانت الحملة على السيد المسيح بقيادة اثنين من كبار الكهنة الصدوقيين، وهما «حنانيا» و«قيافا»، ولم يكن في ذلك عجب؛ لأن الصدوقيين جميعا يحافظون على سلطان الهيكل، ويحافظون على النظام القائم، أو لا يستريحون إلى الثورة والانقلاب.
وخلاصة الآداب الصدوقية أنهم حرفيون في مسائل الدين، متوسعون في مسائل المعيشة، وأنهم يعاشرون الأجانب، ولا يعتزلونهم كسائر أبناء قومهم؛ لأن أعمالهم ومراكزهم متصلة بذوي السلطان.
وتقابل الصدوقيين طائفة أخرى هي طائفة الفريسيين، وهي أقوى من الطائفة الصدوقية بكثرة العدد وشيوع المبادئ والآراء، وحسن السمعة بين سواد الشعب وعلية القوم الذين لا يخالطون الأجانب، وإن لم يكن بين أفرادها كثيرون في مرتبة الرؤساء والوجهاء.
واسم الفريسيين مأخوذ من كلمة عبرانية تقارب كلمة «الفرز» العربية في لفظها ومعناها، فهم المفروزون أو المتميزون، وخصومهم يطلقون عليهم هذا الاسم تهكما وتحقيرا؛ لاعتقادهم أنهم فرزوا أنفسهم عن السلف، واعتزلوا طريق الجماعة الأولى، أما هم فقد كانوا يطلقون لقب الفريسيين أو المفروزين على أنفسهم ويردونه إلى خطاب الله لبني إسرائيل جميعا، كما يرونه في الإصحاح العشرين من سفر اللاويين، فهناك يخاطب الله الشعب قائلا: «وقد ميزتكم من الشعوب لتكونوا لي.» فهم عند أنفسهم المميزون المفضلون.
لهذا كانت تلازمهم في بعض الأحيان صفات الادعاء والتعالي التي تلازم كل طائفة تستأثر لنفسها بالمزيد بين الطوائف الأخرى، وكان بعضهم هدفا لحملات السيد المسيح تنديدا بما يظهرونه من الثقة والكبرياء.
صفحة غير معروفة