الهوامل والشوامل

أبو علي مسكويه ت. 421 هجري
183

الهوامل والشوامل

محقق

سيد كسروي

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٢هـ - ٢٠٠١م

مكان النشر

بيروت / لبنان

الْحَالة الَّتِي حصلت لنا مِنْهُ على أَنْفُسنَا لتصير ملكة وسحية بعد أَن كَانَت حَالا. فَأَما الشَّرّ فلسنا نحتاج إِلَى تَعب بِهِ وتحصيله بل يَكْفِي فِيهِ أَن نخلى النَّفس وسومها ونتركها على طبيعتها فَإِنَّهَا تَخْلُو من الْخَيْر والخلو من الْخَيْر هُوَ الشَّرّ لِأَنَّهُ قد تبين فِي المباحث الفلسفية أَنه لَيْسَ الشَّرّ بِشَيْء لَهُ عين قَائِمَة بل هُوَ عدم الْخَيْر وَلذَلِك قيل: الهيولى مَعْدن الشَّرّ وينبوعه لأجل خلوها من جَمِيع الصُّور فالشر الأول الْبَسِيط هُوَ عدم ثمَّ يتركب وَسبب تركبه الأعدام الَّتِي هِيَ مقترنة بالهيولى. وَشرح هَذَا الْكَلَام طَوِيل إِلَّا أَن الَّذِي يحصل لَك من جَوَاب الْمَسْأَلَة فِيهِ أَن النَّفس تتشبه بِالنَّفسِ الْمُقَارنَة لَهَا وتقتدي بهَا وَالشَّر أسْرع إِلَيْهَا من الْخَيْر وَهُوَ أَن النَّفس الَّتِي فِينَا هِيَ هيولانية وأعني بِهَذَا القَوْل أَنَّهَا قَابِلَة للصور من الْعقل فالمعقولات إِنَّمَا تصير معقولات لنا إِذا ثبتَتْ صورها فِي النَّفس وَلذَلِك قَالَ أفلاطون: إِن النَّفس مَكَان للصور. وَاسْتحْسن ارسططاليس هَذَا التَّشْبِيه من أفلاطون لِأَن اسْتِعَارَة حَسَنَة وإيماء فصيح إِلَى الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَهُ. فَيجب - على هَذَا الأَصْل - أَن نتوقى مجالسه الأشرار ومخالطتهم ومقارنتهم ونقبل قَول الشَّاعِر: عَن الْمَرْء لَا تسْأَل وَأبْصر قرينَة فَإِن القرين بالمقارن مقتد وَيَنْبَغِي أَن نَأْخُذ الْأَحْدَاث وَالصبيان بِهِ أَشد الْأَخْذ فقد مر فِي مَسْأَلَة

1 / 214