قوله : حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب، أي الأمر شيء واحد لكنه متعدد بالوجوه والنسب والإضافات الأسمائية التي لزمت من ظهور الذوات الثابتة في العدم بفيض الوجود عليها؛ وعلل قول الكفار من قوم نوح عليه السلام في قولهم ( وقالوأ لا تذرت آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا) [نوح : من الآية 23]، وإنهم إذا تركوا ؛ جهلوا من الحق على قدر ما تركوا، فإن الحق في كل معبود؛ فأقام عذرهم في عبادتهم الأصنام، ومهد لهم دينهم ودين كل من عبد وثنا أو صنما وغير ذلك، فما أبقى هذا للكفار عيبا في قولهم (ما نعبدهم إلا ليقريونا إلى الله زلفى) [الزمر: من الآية 3]، وجميع ذلك يقرر ما نبهناك عليه أولا في بيان قاعدته في مذهبه لمن عقله وفهم مراده، وبالله المستعان. وجملة ما يشير إليه هو أن وجود الحق الذاتي سار في كل متعين، قبل منه كل متعين على قدره وحده، أعطى كل شيء حسب ما يناسب، كالماء في أواني الزجاج المتلونة، فإنه يكون الماء في الأحمر أحمر، وفي الأخضر أخضر، وفي الأسود أسود، والماء شيء واحد، لكن يكون في كل أنية بحسب ما يستمده ، وتلك النسب الموجودة من حمرته وصفرته وخضرته وسواده هي الماء. كذلك لما فاض وجود الحق على الماهيات صار الوجود في كل ماهية بحسب ما تستمده تلك الماهية إنسانا وجملا وفرسا وحمارا وقطا وفارا وكلبا وخنزيرا وقردا ونجاسة، والوجود وحده مطلقة، فلما فاض المطلق على الماهيات قبلت منه بحسب ما تستمده كل ماهية، وذلك هو ظهور الحق المطلق المغيب إلى الوجود في عالم الحس ، وتلك النسب المتعددة
صفحة ٤٧