الحث على حفظ العلم وذكر كبار الحفاظ
محقق
المستشار الدكتور فؤاد عبد المنعم
الناشر
مؤسسة شباب الجامعة
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤١٢ هـ
مكان النشر
الاسكندرية
عَلَى قُصُورِ فَهْمِهِ، لأَنَّ مَنِ اسْتَحْضَرَ عَقْلَهُ، دَلَّهُ عَلَى خَالِقٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ وَامْتِثَالُ أَوَامِرِهِ، فَطَلَبَ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لا يَقْرُبُ إِلا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَجَدَّ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ آمِرٍ، وَلا مُحَرِّضٍ فَتَرَاهُ يَطْلُبُ الْغَايَةَ فِي الْعِلْمِ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِ الأَمْرُ إِلَى الزُّهْدِ فِي الْفَانِي، وَتَحْصِيلِ كُلِّ مَا يُمْكِنُ مِنَ الْفَضَائِلِ، ثُمَّ يَتَرَقَّى إِلَى مَحَبَّةِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ، وَمَنْ كَمُلَ وُفِّقَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٥١] .
فَهَذِهِ صِفَةُ الْغَايَةِ، وَذَلِكَ لا يَحْتَاجُ إِلَى مُحَرِّضٍ؛ لأَنَّ هِمَّتَهُ تَمْشِي بِهِ، وَهُوَ قَاعِدٌ، ثُمَّ يَتَفَاوَتُ الصِّبْيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى مُحَرِّضٍ، وَهُمُ الأَكْثَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ تُنَبِّهُهُ بِأَيْسَرَ تَنْبِيهٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْعَبُ مَعَهُ الرَّائِضُ، وَجَبْلَتُهُ لا تَقْبَلُ الرِّيَاضَةَ.
فَصْلُ تَرْبِيَةُ الصَّبِيِّ عَلَى الْحِفْظِ
وَمَتَى اعْتَدَلَ الْمِزَاجُ وَتَكَامَلَ الْعَقْلُ، أَوْجَبَ ذَلِكَ يَقَظَةَ الصَّبِيِّ، فَمَنْ رُزِقَ وَلَدًا، فَلْيَجْتَهِدْ مَعَهُ، وَالتَّوْفِيقُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَوِّدَهُ النَّظَافَةَ وَالطَّهَارَةَ مِنَ الصِّغَرِ، وَيُثَقِّفَهُ بِالآدَابِ فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَ سِنِينَ أَخَذَهُ بِحِفْظِ الْعِلْمِ، وَسَنُبَيِّنُ فِيمَا بَعْدُ تَرْتِيبَ الْمَحْفُوظَاتِ، فَإِنَّ الْحِفْظَ فِي الصِّغَرِ نَقْشٌ فِي حَجَرٍ، وَمَتَى بَلَغَ الصَّبِيُّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ هِمَّةٌ تَحُثُّهُ عَلَى اكْتِسَابِ الْعِلْمِ بَعْدُ فَلا فَلاحَ لَهُ.
1 / 37