أبا عبد الله، قلت: الرجل يدع العمل أو يجلس، ويقول: ما أعرف إلا ظالمًا أو غاصبًا، فأنا آخذ من أيديهم، ولا أعينهم، ولا أقويهم على ظلمهم. فقال: ما ينبغي لأحد أن يدع العمل، ويقعد ينتظر ما في أيدي الناس، أنا أختار العمل، والعمل أحب إلي، إذا جلس الرجل ولم يحترف، دعته نفسه إلى أن يأخذ مما في أيدي الناس، فإذا أعطوه أو منعوه أشغل نفسه بالعمل. والاكتساب ترك الطمع، وقال ﷺ: «لأن يحمل الرجل حبلا فيحتطب ثم يبيعه في السوق، ويستغني به خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (^١). فقد أخبر النبي ﷺ أن العمل خير من المسألة، وقال الله تعالى: ﴿فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع﴾، فقوله هذا إذا من الشراء والبيع، وأنا أختار للرجل الاضطراب في طلب الرزق، والاستغناء عما في أيدي الناس، وهو عندي أفضل. قلت: إن هاهنا قوما يقولون: نحن متوكلة، ولا نرى العمل إلا بغير الظلمة والقضاة، وذلك أني لا أعرف إلا ظالمًا، فقال أبو عبد الله: ما أحسن الاتكال على الله ﷿، ولكن لا ينبغي لأحد أن يقعد ولا يعمل شيئا حتى يطعمه هذا وهذا، ونحن نختار العمل، ونطلب الرزق، ونستغني عن المسألة، والاستغناء عن الناس بالعمل أحب إلي من المسألة (^٢).
١١٦ - وحدثنا أحمد، ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير ﵁، قال: قال رسول الله صلى الله
_________
(^١) رواه البخاري (١٤٧٠) ومسلم (١٠٤٢).
(^٢) روى الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (٧/ ١١٧): قال عمر بن الخطاب ﵁: إني لأرى الرجل، فيعجبني، فأقول: هل له حرفة؟ فإن قالوا: لا؛ سقط من عيني.
1 / 52