304

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

تصانيف

مثلهم كمثل الذي استوقد نارا لما جاء بحقيقة حالهم عقبها بضرب المثل زيادة في التوضيح والتقرير فإنه أوقع في القلب واقع للخصم الألد لأنه يريك المتخيل محققا والمعقول محسوسا ولأمر ما أكثر الله في كتبه الأمثال وفشت في كلام الأنبياء الذي هو مبنى التكليف فهذا هو إضاعة الطلبة الأولى ويلزمها إضاعة الثانية لأنهم إذ لم يبق لهم رأس مال كيف يتأتى منهم أن يتجروا به ويكتسبوا العقائد الحقة والمعارف المطابقة للواقع ويستكملوا بحسب قوتهم النطرية والعملية؟ فلا جرم بقوا آيسين من الربح خاسرين الربح الحقيقي والنعيم الأبدي. فظهر أن من اشترى الضلالة بالهدى كم يلزمه أن يكون خاسرا في تجارته يلزمه أيضا أن لا يكون مهتديا لطرق التجارة حيث لم يسلك المسلك المؤدي إلى طلبتي التجار المستبصرين المهتدين المميزين بين ما يؤدي إلى الربح وما يؤدي إلى الخسران فلذلك رتبهما على الاشتراء المذكور بالفاء الدالة على التعقيب. ولما كان قوله تعالى: فما ربحت تجارتهم ترشيحا للاستعارة المذكورة من حيث كونه ملائما للمستعار منه، وهو الاشتراء الحقيقي، أشار المصنف إلى أن قوله تعالى: وما كانوا مهتدين راجع إلى الترشيح أيضا فلذلك عطف على ما قبله بالواو الجامعة، ووجه الإشارة؟ أنه بين أن المراد بعدم الاهتداء عدم اهتدائهم لطريق التجارة لا عدم اهتدائهم في أمر الدين ليكون تكرارا لما سبق، فإن عدم كونهم مهتدين في أمر الدين قد فهم من استبدال الضلالة بالهدى فمن استبدلها به لا يكون مهتديا في أمر الدين بالضرورة فيلزم التكرار، فلما فسره بقوله:

«لطرق التجارة» وجعله من قبيل ترشيح الاستعارة توهم لزوم التكرار. وهذا التقدير والاستخراج مبني على أن كون قوله تعالى : وما كانوا مهتدين عطفا على قوله: اشتروا الضلالة بالهدى أولى كما يرشدك إليه تأملك وذلك أن كونه معطوفا على قوله: فما ربحت يقتضي كون عدم اهتدائهم لطريق التجارة مترتبا ومتفرعا على الاشتراء المذكور كما هو مقتضى كلمة الفاء الدالة على التعقيب، وليس الأمر كذلك بل الاشتراء مترتب على عدم الاهتداء وعلى تقدير عطفه على «اشتروا» يندفع هذا المحذور وتكون العلة مجموع الأمرين اللذين عطف أحدهما على الآخر بالواو.

قوله: (لما جاء بحقيقة حالهم) يعني أن الله تعالى لما بين بقوله: ومن الناس من يقول آمنا بالله إلى هنا حقيقة حال المنافقين وصفتهم لأنه بمنزلة الصفة الكاشفة عن حقيقتهم أراد ههنا أن يكشف عنها كشفا تاما ويبرزها في معرض المحسوس المشاهد فعقبها بضرب المثل مبالغة في البيان، لأن ضرب المثل أوقع في القلب وأقمع أي أشد قهرا وإذلالا للخصم الألد أي الشديد الخصومة. فإن الوهم لا يساعد العقل في إدراك المعقول الصرف بل ينازعه ويمنعه عن إدراكه، وبضرب المثل يبرز المعقول في صورة المحسوس فيساعد

صفحة ٣١٠