حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
تصانيف
وما كانوا مهتدين (16) لطرق التجارة فإن المقصود منها سلامة رأس المال والربح وهؤلاء قد أضاعوا الطلبتين لأن رأس مالهم كان الفطرة السليمة والعقل الصرف، لما اعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم واختل عقلهم ولم يبق لهم رأس مال يتوسلون به إلى درك الحق ونبل الكمال فبقوا خاسرين آيسين من الربح فاقدين للأصل .
الكشاف: الإسناد المجازي أن يسند الفعل إلى شيء يتلبس بالذي هو في الحقيقة له كما تلبست التجارة بالمشترين. وقال الشريف المحقق: هذا تفسير للإسناد المجازي بما هو أعم مما سبق إذ قد اشترط هناك مضاهاة الفاعل المجازي للفاعل الحقيقي لملابسة الفعل، وقد اقتصر ههنا على تلبسه به مطلقا، ولك أن تحمله على التقييد اعتمادا على ما سلف وتقول:
التجارة سبب مفضي إلى كل واحد من الربح والخسران. انتهى. وأما إذا لم يكن نفي الربح في قوله: فما ربحت كناية عن الخسران بل بقي على نفس معناه وهو انتفاء الربح عن التجارة فلا يرد أن يقال كيف أسند عدم الربح إلى التجارة؟ والحال أن التجارة ليس من حقها أن يسند إليها ذلك وذلك لأن إسناده إليها إسناد إلى ما هو محل لها حقيقة. نعم، يرد أن يقال: ما الفائدة في إسناد عدم الربح إلى التجارة وهي غير قابلة لشيء من الربح والخسران؟
فكان بمنزلة أن يقال: ما فيها الحجر. ولا شك في انتفاء فائدة مثل هذا الكلام لأنه بيان لما هو معلوم بالضرورة ويدفع بجعل الإسناد مبنيا على الاتساع والتجوز.
قوله: (و ما كانوا مهتدين) معطوف على قوله: فما ربحت تجارتهم وقد مر أنه معطوف على الجملة الواقعة صلة وهي قوله: اشتروا الضلالة بالهدى فيكون مجموع المعطوف والمعطوف عليه بالواو مترتبا ومتفرعا على قوله: اشتروا الضلالة بالهدى لأن قوله تعالى: فما ربحت معطوف على قوله: اشتروا بالفاء الدالة على الترتيب، وما بعده معطوف عليه بالواو الجامعة فيكون المجموع مترتبا على الاشتراء المذكور. والمصنف أشار إلى وجه ترتيبهما بالفاء على ما ذكر بقوله: «فإن المقصود من التجارة» أمران: أحدهم سلامة رأس المال والثاني استفادة الربح والنماء يعني أن مضمون الجملتين جعل مرتبا على الاشتراء المذكور بالفاء لكونهما لازمين له متفرعين عليه، وذلك لأن المطلوب من التجارة هو سلامة رأس المال واستفادة الربح والنماء. وهؤلاء المنافقون الذين استبدلوا الضلالة بالهدى الفطري قد أضاعوا الطلبتين أي المطلوبين، فإن الطلبة بكسر الطاء وسكون اللام ما طلبته من شيء، وإنما قلنا إنهم أضاعوهما جميعا لأن رأس مالهم كان الفطرة السليمة عن دنس الكفر وسوء العقائد والأخلاق والاستعدد التام لدرك الحق ونيل الكمال والعقل الصرف أي الخالص عن معارضة الوهم وغلبة الهوى فلما اشتروا الضلالة بالهدى الذي جبلوا عليه واعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم الفطري عن أصله واختل عقلهم، وإن بقي أصله
صفحة ٣٠٩