261

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

تصانيف

ليقول، أو استئناف) تعليل لكونه بمعنى «يخدعون» فأن يقول لا شك من جانب واحد وهو المنافقون فينبغي أن يكون فعل الخدع أيضا من جانب واحد ليطابق البيان المبين.

والاستئناف أيضا يفيد فائدة البيان لأنه في معرض الجواب لما عسى أن يقال: ما بالهم يقولون آمنا وما هم بمؤمنين؟ فقيل: يخادعون الله. فلما كان هذا الكلام جوابا لغرضهم كان الفعل المذكور من جانبهم فقط فكان «يخادعون» بمعنى «يخدعون». ويحتمل أن تكون هذه الجملة حالا من الضمير المستكن في «يقول» والمعنى: ومن الناس من يقول كذا حالة كونهم مخادعين.

قوله: (إلا أنه) استثناء من قوله: «ويحتمل أن يراد بيخادعون يخدعون» إلا أن يخدعون الواقع من واحد أخرج في زنة فاعلت كما في قولهم: طابقت النعل وعاقبت اللص للمبالغة في قوة الفعل وكماله، كما يقال: فلان يخاشى الله أي يخشاه خشية عظيمة. والوجه في دلالة الإخراج المذكور على المبالغة ما ذكره من أن زنة المفاعلة للمبالغة أي للمعارضة وبيان الغالب من المعارضين، فإن الفعل المبني من باب المفاعلة بذكر لبيان أن الغلبة في الفعل الذي يذكر بعد ذلك الفعل نحو: كارمني فكرمته وناضلني فنضلته أي غلبته في الكرم ورمي السهم. ومن المعلوم أن الفعل متى غلب فيه فاعله أي عورض وجرى بينه وبين صاحبه مباراة ومقابلة كان أبلغ وأقوى من ذلك الفعل إذا جاء بلا مقابلة ومعارضة، لأن فعله على وجه المعارضة يكون الداعي إلى الفعل والاهتمام به أشد وأقوى مما إذا زاوله وحده.

ولا يخفى أن الفعل مع قوة الداعي إليه وشدة الاهتمام به يكون أتم وأحسن من الذي لا يكون كذلك. فلما كانت الزنة المذكورة للمبالغة المقتضية لقوة الفعل الواقع من الجانبين استصحبت الزنة للمبالغة المذكورة. قوله: (ومبار) عطف تفسير لقوله: «معارض» يقال:

فلان يباري فلانا أي يعارضه ويفعل مثل فعله. وقوله: «استصحبت» جواب «لما» وقوله:

«ذلك» إشارة إلى المبالغة المذكورة. قوله: (ويعضده) أي يقوي الاحتمال المذكور. فإن قيل: كيف يخدعون الله وهم يعلمون استحالة ذلك ضرورة أن كل أحد يعلم استحالة أن يوقع في علمه تعالى خلاف ما يقصده مما هو مكروه عنده تعالى؟ وأجيب في الجواب الأول بوجهين بلا تغيير، وفي الجواب الثاني بنوع تغيير. قوله: (وكان غرضهم في ذلك) أي في إظهار الإيمان وإبطان الكفر كأنه قيل: لأي غرض أقدموا على النفاق ولأي مقصود أرادوا الخداع؟ فأجاب بذلك وذكر له ثلاث منافع: الأولى دفع مضرة المؤمنين عن أنفسهم، والثانية جلب المنفعة منهم، والثالث إضرار المؤمنين بإشاعة أسرارهم إلى الكفار الذين يعادونهم. والمنابذة إظهار العداوة كأن كل واحد من المعاديين ينبذ ما في قلبه من العداوة أو

صفحة ٢٦٧