حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
تصانيف
على وجه الخداع والنفاق وعقيدتهم عقيدتهم لم يكن إيمانا. كيف وقد قالوه تمويها على المسلمين وتهكما بهم؟ وفي تكرار الباء ادعاء الإيمان بكل واحد على الأصالة والاستحكام، والقول هو التلفظ بما يفيد ويقال بمعنى المقول وللمعنى المتصور في النفس المعبر عنه باللفظ وللرأي والمذهب مجازا والمراد باليوم الآخر من وقت الحشر إلى ما لا ينتهي أو إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار لأنه آخر الأوقات المحدودة.
ولا بحقية اليوم الآخر. فثبت أنه لو قالوه عن اعتقاد لا يكون إيمانا فكيف وقد قالوه خداعا ونفاقا؟ بخلاف نحو قولهم آمنا بمحمد عليه الصلاة والسلام وبكتابه فإنهم لو قالوه عن اعتقاد يكون معتبرا صحيحا ولا فساد فيه إلا أنه من حيث صدوره نفاقا لم يعتبر فظهر الفرق بين هذا المحكي وبين سائر ما قالوه نفاقا وأنه أخبث من سائره. قوله: (وعقيدتهم عقيدتهم) جملة اسمية وقعت حالا من فاعل صدر من قبيل:
أنا أبو النجم وشعري شعري
أي لو صدر هذا القول منهم عن اعتقاد، والحال أن عقيدتهم عند صدور هذا القول منهم هي عقيدتهم التي كانوا عليها قبله أو هي العقيدة المشهورة المنقولة عنهم لم يكن هذا القول منهم إيمانا الخ. قوله: (وفي تكرار الباء) أي مع أنه لا حاجة إلى إعادة الجار في العطف على المظهر بخلاف العطف على المضمر المجرور فإنه يجب فيه إعادة الجار في المعطوف نحو: مررت به وبزيد ومع ذلك أعيد الجار لفائدتين: الأولى ادعاء الإيمان التفصيلي بكل واحد منهما، والثانية ادعاء استحكام إيمانهم وتأكيده وذلك لما مر من أن ملاحظة معنى الجار في كل واحد منهما تقتضي أن يلاحظ مع كل واحد منهما معنى الفعل المعدى به، فكأنه مذكور مرتين وهذا يدل على استقلال كل واحد منهما بالإيمان واستحكامه. قوله: (والقول هو التلفظ بما يفيد) يعني أنه في الأصل مصدر بمعنى التلفظ بلفظ يفيد معنى من المعاني سواء كان ذلك المعنى مفردا أو مركبا كذا قالوا، لكن المشهور أنه هو التلفظ باللفظ المركب الدال على النسبة الإسناذية كما في قوله تعالى: من يقول آمنا [العنكبوت: 10] وفي قوله: قولوا آمنا [البقرة: 136] وقوله: قالوا إنا معكم [البقرة: 14] ثم يطلق مجازا على اللفظ المقول تسمية للمفعول، ثم إنه غلب على هذا المعنى حتى صار بمنزلة الحقيقة فيه، ثم جعل مجازا منه في المعاني الثلاثة الباقية تسمية للمدلول باسم الدال. المعنى الأول من تلك الثلاثة هو الكلام النفسي المعبر عنه باللفظ قال تعالى: ويقولون في أنفسهم لو لا يعذبنا الله بما نقول [المجادلة: 8] والمعنى الثاني منها الرأي
صفحة ٢٦٠