253

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

تصانيف

يدخلها غيرهم وإن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة وغيرها، ويرون المؤمنين أنهم آمنوا مثل إيمانهم وبيان لتضاعف خبثهم وإفراطهم في كفرهم، لأن ما قالوه لو صدر عنهم لا [الأعراف: 138] واعتقدوا أيضا أنه تعالى اتخذ ولدا حيث قالوا: عزير ابن الله [التوبة: 30] وكذا يقرون باليوم الآخر أيضا لكن ما أقروا به غير ما اعتقدوه فإنهم يعتقدون أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا وكذا النصارى يعتقدون أن الجنة لا يدخلها إلا من كان نصرانيا كما حكى الله تعالى عنهم أنهم قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى [البقرة: 111] وحكى عن اليهود أيضا أنهم قالوا: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة [البقرة: 80]. قوله: (وغيرها) مثل اعتقادهم أن أهل الجنة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون بل يتلذذون بالنسيم والأرواح العبقة كما سبق، وشيء من ذلك ليس اعتقادا بالآخرة فلا جرم كان قولهم: «آمنا باليوم الآخر» نفاقا وإن لم يقصدوا به النفاق.

قوله: (ويرون) بضم الياء والراء من الإرادة وهو في محل النصب على أنه معطوف على قوله: (يؤمنون) والحاصل أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر على وجه لا يطابق ما عليه المؤمن به في حد نفسه. ثم إنهم يرون المؤمنين أنهم آمنوا إيمانا مثل إيمانهم وهو عين النفاق إلا أنه بقي الكلام في أنهم لما قالوا هذا الكلام على وجه النفاق والتلبيس لم يكونوا يظنون أنهم مخلصون فيه، فما وجه قول المصنف آنفا أنه إيذان بأنهم منافقون فيما يظنون أنهم مخلصون فيه فإنه لا يتصور اجتماع الإخلاص والنفاق في شخص واحد بالنسبة إلى حكم واحد من أجل أن النفاق يستلزم عدم الموافقة من اللسان والقلب والإخلاص يستلزمها، إلا أن يقال إنهم يظنون أنهم مخلصون في قوله: آمنا بالله وباليوم الآخر من وجه ويقصدون به النفاق والتمويه من وجه آخر. فإنهم من حيث إنهم يعتقدون ثبوت الصانع وحقية أمر المعاد وإن قولهم هذا تعبير عن ذلك الاعتقاد مخلصون فيه، ومن حيث اراءتهم المؤمنين بهذا القول إن إيمانهم بهما مثل إيمان المؤمنين منافقون مموهون، بخلاف إقرارهم بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام وبالقرآن ونحوهما فإنهم لا يظنون كونهم مخلصين فيه بوجه من الوجوه بل يقصدون به الخداع المحض. والرابع أنه تعالى خص بالذكر قولهم: آمن بالله واليوم الآخر* من بين ما قالوه على وجه النفاق بيانا لتضاعف خبثهم لأن قولهم هذا خبث قالوه على وجه النفاق من حيث إن سائر ما قالوه نفاقا حق في نفسه، وإنما الفساد من جهة عدم مطابقته لاعتقادهم. وأما قولهم فإنه كما أنه فاسد من جهة صدوره على وجه الخداع والتمويه فاسد أيضا لو صدر عن اعتقاد لأنهم وإن كانوا يعتقدون ثبوت الصانع إلا أنهم يصفونه بما هو منزه عنه من مشابهة الأمثال واتخاذ الولد، وكذا يصفون اليوم الآخر بخلاف صفته وأحواله فلا يكون الإيمان بهما واصفين إياهما بتلك الصفات إيمانا بالله تعالى

صفحة ٢٥٩