حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
تصانيف
بدليل قوله تعالى: بل طبع الله عليها بكفرهم [النساء: 155] وقوله تعالى: ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم [المنافقون: 3] وردت الآية ناعية عليهم شناعة صفتهم ووخامة عاقبتهم. واضطربت المعتزلة فيه فذكروا وجوها من التأويل: الأول إن القوم لما أعرضوا عن الحق وتمكن ذلك في قلوبهم حتى صار كالطبيعة لهم شبه بالوصف الخلقي إليه تعالى لا من حيث ما ذكره المعتزلة من الوجوه الفاسدة. فإن الآية وردت ناعية عليهم شناعة صفة قلوبهم ومشاعرهم من حيث إن تلك الأمور مسببة مما اقترفوه فكانت عقوبة لهم على سوء صنعهم معجلة في الدنيا، كما أن العذاب العظيم المعد لهم في الآخرة عقوبة مؤجلة على ذلك لا كما زعمت المعتزلة من أن الآية وردت لمجرد ذم الكفار بتمكن الإعراض عن الحق في قلوبهم. ومقصود المصنف بهذا الكلام دفع ما يتوهم من المنافاة بين إسناد الختم بالمعنى المجازي وهو إحداث الهيئة المذكورة في قلوب الكفرة ومشاعرهم إلى الله تعالى ، وبين ذمهم بعدم نفع الإنذار فيهم وأنهم لا يؤمنون من حيث إن إسناده إليه تعالى يشعر بأن المانع من قبول الحق من جهته تعالى حيث ضرب الحجاب بين قواهم المدركة وبين الحق فلم يدركوه، فكيف يقبلونه؟ وإن ذمهم بذلك يشعر بأن القصور من جهتهم حيث لم يهتدوا بهداية الله تعالى ودلالته فلذلك استحقوا العذاب العظيم في الآخرة. ووجه اندفاع ما يتوهم من المنافاة بينهما أن ما أسند إليه من إحداث الهيئة المانعة من قبول الحق في قلوب الكفرة ومشاعرهم المعبر عنها بالختم والطبع والإغفال والإقساء ونحوها لم يحدثه الله تعالى ابتداء حتى يقال: إن المانع من قبول الحق جاء من جهته تعالى فكيف يستحقون الذم بعدم نفع الإنذار فيهم وقبول الإيمان؟ بل إنما أحدثه فيهم ليكون عقوبة على ما اقترفوه من الغي والتقليد بآبائهم الضالين وإعراضهم عن النظر الصحيح. فكان ما اقترفوه من الضلال عن الحق والتقليد بالآباء والاعراض عن النظر في الدلائل المؤدية إلا الإيمان والطاعة أسبابا مقتضية لما أحدثه الله تعالى في قلوبهم ومشارعهم من الهيئة المانعة من قبول الحق، فلا منافاة بين الإسناد إليه تعالى وبين ذمهم بعدم نفع الإنذار فيهم وبأنهم لا يؤمنون لأنه تعالى إنما أحدثها في قلوبهم ومشاعرهم لاستحقاقهم ذلك بسبب اقترافهم.
قوله: (واضطربت المعتزلة فيه) أي في وجه إسناد الختم إليه تعالى. فإنه لا مخالفة بيننا وبين المعتزلة في أن كل واحد من الختم والتغشية ليس على حقيقته من حيث أن القلوب والمشاعر لا تقبل شيئا منهما حقيقة، فوافقناهم في حملهما على المعنى المجازي الذي تقبله القلوب والمشاعر. وإنما المخالفة بيننا وبينهم في تعيين ذلك المعنى المجازي وإنه ما هو؟ فإنا نقول: إن المراد بهما إحداث هيئة في قلوبهم ومشاعرهم تمنعهم من إدراك الحق وقبوله فإن إسناد الختم بهذا المعنى المجازي هو أن يحدث الله سبحانه وتعالى في
صفحة ٢٤٠