حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
تصانيف
وسماه على الاستعارة ختما وتغشية أو مثل قلوبهم ومشاعرهم المؤوفة بها بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستفاع بها ختما وتغطية، وقد عبر عن إحداث هذه الهيئة بالطبع في قوله تعالى: أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم [النحل: 108] وبالإغفال في قوله تعالى: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا [الكهف: 28] وبالإقساء في قوله تعالى: وجعلنا قلوبهم قاسية [المائدة: 13] وهي من حيث إن الممكنات بأسرها مستندة إلى الله تعالى واقعة بقدرته أسندت إليه، ومن حيث إنها مسببة مما اقترفوه وقعت الحيلولة. قوله: (وسماه على الاستعارة ختما وتغشية) أي وسمى إحداث الهيئة المذكورة حتما إن كانت في القلوب والأسماع، وتغشية إن كانت في الأبصار. وفي بعض النسخ «وسماها بضمير الهيئة فلا بد من تقدير المضاف» أي وسمى إحداثها. وما قلنا من أن الاستعارة في قوله تعالى: وعلى قلوبهم غشاوة أصلية لا تبعية مبني على ظاهر الآية لأن المذكور فيها لفظ الغشاوة ولا شك أن استعارته للهيئة الحادثة أصلية ولا فعل فيها حتى تكون تبعية. وأشار إلى حمله على التمثيل بقوله: «أو مثل قلوبهم» وهو جملة فعلية معطوفة على الجملة الإسمية التي هي قوله: «وإنما المراد بهما أن يحدث» الخ. والمشاعر جمع مشعر بمعنى محل الشعور وأراد بها الإسماع والإبصار. قوله: (المؤوفة بها) أي التي أصابتها الآفة وهي الهيئة الحادثة فيها يقال: ايف الزرع فهو مؤوف إذا أصابته آفة. قوله: (بأشياء) متعلق بقوله: «أي مثل حال قلوبهم ومشاعرهم بحال أشياء بتقدير المضاف. وقوله: «ختما وتغطية» منصوبان على التمييز من النسبة في قوله: «ضرب» فيكونان بمعنى القائم مقام الفاعل كأنه قيل: ضرب بين تلك الأشياء وبين الانتفاع بها ختم وتغطية. والحاصل أنه شبه حال قلوبهم وسمعهم وأبصارهم المخلوقة للتعقل والاعتبار واستماع كلام الناصح وإبصار دلائل الحق مع الهيئة الحادثة فيها المانعة من الانتفاع بها بحال أشياء معدة للانتفاع بها مع المنع عن ذلك بطريق الختم والتغشية، والجامع عدم الانتفاع بما أعد له بعروض ما يمنع منه ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه. ولا شك أن وجه الشبه وهو عدم الانتفاع بما خلق للانتفاع به بناء على مانع عرض فمنع منه أمر عقلي مركب من عدة أمور. قوله:
(وهي) أي الأمور المذكورة التي هي الختم والطبع والإغفال والإقساء. قوله: (من حيث إن الممكنات بأسرها مستندة إلى الله تعالى الخ) متعلق بقوله: «أسندت إليه سبحانه وتعالى» وقوله: «واقعة» خبر «بعد» خبر لأن قوله: «أسندت إليه» خبر للمبتدأ الذي هو قوله: «وهي» وقوله: «ومن حيث إنها مسببة مما اقترفوه» أي اكتسبوه متعلق بقوله: «وردت الآية ناعية عليهم شناعة صفتهم». ولعل وجه تقديم الظرف على عامله في هذين الموضعين هو التنبيه على الحصر، فكأنه قال: إن تلك الأمور أسندت إليه تعالى من حيث إن الممكنات مستندة
صفحة ٢٣٩