قوله: «ويعاقب بتركها» لم يقل هنا «إن عوقب» -كما قاله بعد -على قولنا، لأن المعتزلة لا يقولون بتخلف العقاب.
قوله: «كثواب سبعين مندوبا» أخذه مما نقله النووي في الروضة -أول النكاح- عن إمام الحرمين، عن بعض علمائنا: إن ثواب الفريضة يزيد على ثواب النافلة بسبعين درجة، قال: واستأنسوا فيه بحديث.
صاحب المتن: وإن تركها، فقيل: يعاقب على أدناها.
الشارح: لأنه لو اقتصر عليه لأثيب عليه ثواب الواجب، فضم غيره إليه معا أو مرتبا لا ينقصه عن ذلك. «وإن تركها» بأن لم يأت بواحد منها، «فقيل: يعاقب على أدناها» عقابا إن عوقب، لأنه لو فعله فقط لم يعاقب، فإن تساوت فثواب الواجب والعقاب على واحد منها، فعلت معا أو مرتبا، وقيل: في المرتب الواجب ثوابا أولها، تفاوت أو تساوت، لتأدي الواجب به قبل غيره، ويثاب ثواب المندوب على كل من غير ما ذكر لثواب الواجب، وهذا كله مبني -كما ترى- على أن محل ثواب الواجب والعقاب أحدها، من حيث خصوصه الذي يقع، نظرا لتأدي الواجب به.
المحشي: أشار به إلى حديث ذكره الإمام في النهاية، ورواه ابن خزيمة والبيهقي كما قاله الشارح، لكنه ضعيف كما قاله شيخنا الشهاب ابن حجر، وإليه يشير قول النووي واستأنسوا.
الشارح: والتحقيق المأخوذ مما تقدم أنه أحدها، من حيث إنه أحدها لا من حيث ذلك الخصوص، وإلا كان من تلك الحيثية واجبا، حتى إن الواجب ثوابا في المرتب أولها من حيث أحدها، لا من حيث خصوصه، وكذا يقال في كل من الزائد على ما يتأدى به الواجب منها: إنه عليه ثواب المندوب من حيث إنه أحدها، لا من حيث خصوصه.
المحشي: قوله: «لأنه لو اقتصر عليه لأثيب عليه ثواب الواجب» إلى آخره، أي ثوابه الأكمل، وإلا فما قاله جار فيما لو اقتصر على غير الأعلى، إذ ثواب كل منها لا ينقص عن ثواب السبعين، إلا أنه في الأعلى أكمل منه في غيره.
قوله: «وقيل في المرتب الواجب ثوابا أولها» هو الأوجه.
قوله: «ويثاب ثواب المندوب على كل من غير ما ذكر لثواب الواجب» جار على القولين، فعلى الأول يثاب ثواب المندوب على غير الأعلى في التفاوت، وعلى غير الواحد الذي تأدى به الواجب في التساوي، وعلى الثاني في المرتب يثاب ثواب المندوب على غير الأول.
فقوله: «لثواب الواجب» صلة «ما ذكر».
قوله: «مما تقدم أنه» أي أن محل ثواب الواجب والعقاب. فقوله: «وإلا كان» أي محل ذلك من تلك الحيثية واجبا، فيوجب تعيين الواجب، وسبقه إلى ذلك صاحب الحاصل.
صاحب المتن: ويجوز تحريم واحد لا بعينه.
الشارح: «ويجوز تحريم واحد لا بعينه» من أشياء معينة، وهو القدر المشترك بينها في ضمن أي معين منها، فعلى المكلف تركه في أي معين منها.
المحشي: قال العراقي: «وفيه نظر، إذ لا يلزم من تعيينه بعد الإيقاع تعينه في أصل التكليف، والمحذور هو الثاني».
تنبيه: قال الزركشي «موضع المسألة إذا شرع التخيير بنص، فإن شرع بغيره كتخيير المستنجي بين الماء والحجر، والتخيير في الحج بين الإفراد والتمتع والقران، فلا مدخل له في المسألة، لكن الجويني جعل التخيير بين الماء والحجر منها» انتهى. والوجه عدم تقييدها بذلك من حيث الخلاف في أصلها، وأما من حيث ما يترتب على فعل الكل، فمسألة الحج خارجة عن ذلك كما يعلم مما قدمته، من أن محله إذا جاز الجمع بين الكل.
صاحب المتن: خلافا للمعتزلة، وهي كالمخير، ...
صفحة ٥٣