الشارح: «وقال إمام الحرمين ليس المكروه» أي بالمعنى الشامل لخلاف الأولى «قبيحا» لأنه لا يذم عليه «ولا حسنا» لأنه لا يسوغ الثناء عليه، بخلاف المباح، فإنه يسوغ الثناء عليه، وإن لم يؤمر به، على أن بعضهم جعله واسطة أيضا، نظرا إلى أن الحسن ما أمر بالثناء عليه، كما تقدم في أن الحسن والقبيح بمعنى ترتب المدح والذم شرعي.
المحشي: قوله: «وقال إمام الحرمين: ليس المكروه قبيحا ولا حسنا» رجحه في شرح المختصر وهو أوجه مما رجحه هنا.
قوله: «على أن بعضهم جعله» أي المباح «واسطة أيضا» قد صرح به إمام الحرمين أيضا في الإرشاد وغيره.
قوله: «كما تقدم في أن الحسن والقبح بمعنى ترتب المدح والذم شرعي». أي فإنه يدل على أن المباح واسطة لكونه لا مدح ولا ذم فيه وإن كان شرعيا.
جائز الترك ليس بواجب
صاحب المتن: مسألة: جائز الترك ليس بواجب، وقال أكثر الفقهاء: يجب الصوم على الحائض، والمريض، والمسافر،
الشارح: «مسألة: جائز الترك» سواء كان جائز الفعل أيضا أم ممتنعه، «ليس بواجب» وإلا لكان ممتنع الترك، وقد فرض جائزه. «وقال أكثر الفقهاء: يجب الصوم على الحائض والمريض والمسافر» لقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة: 185.
وهؤلاء شاهدوه، وجواز الترك لهم لعذرهم أي الحيض المانع من الفعل أيضا، والمرض والسفر اللذين لا يمنعان منه، ولا يجب عليهم القضاء بقدر ما فاتهم، فكان المأتي به بدلا عن الفائت.
المحشي: قوله «مسألة: جائز الترك ليس بواجب» قيل: ينبغي أن يزيد مطلقا ليخرج الواجب الموسع والمخير، فإنه يجوز تركهما في حالة لا مطلقا، مع أنهما واجبان، ويجاب: بأن ما جاز تركه فيهما ليس الواجب، بل الواجب الأحد المبهم وهو لا يجوز تركه. قوله: «وقد فرض جائزه» أي فلو ثبت أنه مع ذلك ممتنعه لاجتمع الضدان بل النقيضان.
قوله: «وقال أكثر الفقهاء» لا سلف له في تعبيره بأكثر فيما أعلم.
صاحب المتن: وقيل: المسافر دونهما. وقال الإمام الرازي: عليه أحد الشهرين. والخلف لفظي.
الشارح: وأجيب: بأن شهود الشهر موجب عند انتفاء العذر، لا مطلقا، وبأن وجوب القضاء إنما يتوقف على سبب الوجوب، وهو هنا شهود الشهر، قد تحقق، لا على وجوب الأداء، وإلا لما وجب قضاء الظهر - مثلا- على من نام جميع وقتها، لعدم تحقق وجوب الأداء في حقه لغفلته، «وقيل:» يجب الصوم على «المسافر دونهما» أي دون الحائض والمريض لقدرة المسافر عليه وعجز الحائض عنه شرعا والمريض حسا في الجملة. «وقال الإمام الرازي» يجب «عليه» أي على المسافر دونهما «أحد الشهرين» الحاضر أو آخر بعده، فأيهما أتي به فقد أتي بالواجب كما في خصال كفارة اليمين «والخلف لفظي» أي راجع إلى اللفظ دون المعنى، لأن ترك الصوم حالة العذر جائز اتفاقا، والقضاء بعد زواله واجب اتفاقا.
المحشي: وقول الزركشي: إنه تبع فيه المحصول مردود، بأن الذي في المحصول: «كثير من الفقهاء»، لا أكثرهم، وعليه حمل المصنف في شرح البيضاوي قوله -تبعا لصاحب الحاصل-: «وقالت الفقهاء». قوله: «وأجيب بأن شهود الشهر موجب» أي سبب للوجوب عند انتفاء العذر لا مطلقا، والعذر قائم هنا. قوله: «في الجملة» أي لا في التفصيل.
لأن المريض قد يمكنه الصوم لكن بمشقة تبيح الفطر، وقد لا يمكنه لعجزه عنه، فلا يصح نسبة العجز إليه حسا تفصيلا. قوله: «وقال الإمام الرازي» إلى آخره، يمكن كما قال الإسنوي أن يقال به في المريض، حيث قال -بعد نقله ذلك-: «وفيه نظر فإن المريض أيضا يجوز له الصوم، فيكون مخيرا كالمسافر إلا أن يفرض ذلك في مريض يفضي به الصوم لهلاك نفسه أو عضوه فيحرم عليه الصوم».
قال الغزالي في المستصفى: «فلو صام حينئذ فيحتمل أن لا يجزيه، لأنه حرام، ويحتمل تخريجه على الصلاة في دار مغصوبة» انتهى. والاحتمال الثاني أوجه.
صفحة ٤٧