أخيرا نصل إلى مفهوم الفعل التواصلي الذي يحيل إلى الفعل المشترك لذاتين على الأقل قادرين على الكلام والفعل وإقامة علاقات شخصية مشتركة (سواء كانت علاقات لغوية أو غير لغوية)، إن الفاعلين هنا يسعون إلى تفهم موقف الفعل، وفهم خططهما للفعل؛ وذلك لكي ينسقا أفعالهما بالتراضي أو الاتفاق بينهما. والمفهوم الأساسي عن التفسير يشير في المقام الأول إلى السعي إلى تعريفات أو تحديدات للموقف، بحيث يمكن التوصل فيه إلى إجماع، وكما سنرى فإن اللغة لها مكان متميز في هذا النموذج.
33
تلعب اللغة إذن دورا أساسيا في نظرية الفعل التواصلي باعتبارها - أي اللغة - الوسيط الأساسي للتواصل بين الذوات. وحجة هابرماس في هذا هو أن قدرتنا على التواصل ذات بنية وقواعد أساسية لا توجد إلا في اللغة التي تتعلمها وتتحدث بها كل الذوات. فالتجربة التواصلية ليست هي القدرة على إنتاج جمل لها قواعد، وليست اللغة مجرد «نسق من الرموز له تركيبه النحوي ومعجمه وصوتياته ... أو له خصائصه الدلالية فقط، بل يهتم هابرماس باللغة من منظور خصائصها التداولية، فاللغة تشكل عنده نسقا من القواعد تساعد على توليد تعبيرات لدرجة أن كل تعبير مصاغ بشكل صحيح يعتبر عنصرا من عناصر هذه اللغة. ومن ثم فإن الذوات القادرة على استعمال هذه التعبيرات تشارك في عمليات التواصل؛ لأنها تستطيع التعبير وفهم الجمل والجواب عليها»،
34
تتشكل اللغة إذن من خلال التفاعل بين الذوات، والحديث بين المشاركين في التفاعل يربطهم بالعالم المعيش حولهم، وبالذوات الأخرى، ويربطهم أيضا بمشاعرهم ورغباتهم ومقاصدهم. ولذلك ترتبط نظرية الفعل التواصلي عند هابرماس بنظرية أفعال الكلام.
وتقدم أفعال الكلام «بنية تلتقي فيها ثلاثة مكونات: (1) مكون جملي مهمته تصور (أو ذكر) أحوال الشيء. (2) مكون فعل منطوق مهمته عقد علاقات بين الأشخاص. (3) وأخيرا مكون لساني يعبر عن قصد المتكلم.
35
واستنادا إلى هذه الوظائف الثلاث للغة يمكن استخلاص ثلاثة جوانب مختلفة للمصداقية يتسنى وفقا لها رفض المستمع لعبارة المتكلم إذا رفض إما «حقيقة» ما أكد في العبارة (أو أيضا حقيقة الافتراضات الوجودية التي تشرف على مضمون العبارة)، «صحة» فعل اللسان نظرا للسياق المعياري، للصياغة (أو أيضا شرعية السياق المفترض ذاته)، وإما أخيرا «صدق» القصد الذي عبر عنه المتحدث (أي التطابق المفترض بين ما أراد قوله وبين ما قاله).»
36
هكذا تقضي نظرية الفعل التواصلي إلى مبدأ يقر بأننا نفهم قضية أو عبارة ما عندما نعرف شروط صحتها.
صفحة غير معروفة