4
ومنذ ذلك الحين يعمل هابرماس على تغيير اتجاه الفكر الفلسفي، من فلسفة تدور حول الذات إلى فلسفة تدور حول التواصل الإنساني، بل وينبغي أن يستبدل «بنموذج معرفة الأشياء نموذج الوفاق بين ذوات قادرة على الكلام والعمل.»
5
إن الذي دفع هابرماس إلى التحول اللغوي هو عجز التيارات السابقة عليه عن إنتاج الأسس المعيارية لنظرية نقدية للمجتمع. وقد تبلور هذا الاتجاه في مشروع فلسفي انتهى بوضع «نظرية الفعل التواصلي». فما هي الملامح الأساسية لمشروع هابرماس الفلسفي؟ وماذا يعني بالفعل التواصلي؟ وما هي الأسس النظرية التي استند إليها هذا التواصل؟
سنحاول فيما يلي التعرف على الملامح الأساسية لهذا المشروع الضخم، ولما كانت التفاصيل الدقيقة لنظرية الفعل التواصلي تفوق حدود هذا البحث، فقد رأينا إجمال الأفكار الأساسية أو الخطوط العريضة لهذه النظرية في النقاط الآتية التي سنعرض لها تباعا: (1)
المؤثرات الفكرية في مشروع هابرماس، ونتناول أهم الأفكار التي انطلق منها، والتيارات الفلسفية التي ساعدت على بلورة نظرية الفعل التواصلي. (2)
العقلانية التواصلية، وتتناول مفهوم هابرماس عن العقلانية كما حددها ماكس فيبر، ومحاولة تأسيس عقلانية جديدة يعد البعد التواصلي أحد أبعادها الأساسية. (3)
شروط تحقق التجربة التواصلية، وتتناول أهم الشروط التي يجب توافرها - في رأي هابرماس - ومراعاتها في الحوار بين المتحاورين من أجل تحقيق تواصل غير مشوه. (4)
نظرية الفعل التواصلي، وتتناول النماذج الأربعة للفعل الاجتماعي (الفعل الغائي - الفعل الموجه بالمعايير - الفعل الدرامي - ثم أخيرا الفعل التواصلي)، ثم نعرض بشيء من التفصيل لفلسفة اللغة التي تعد هي الوسيط الذي يتم التواصل من خلاله، وذلك لبلوغ نوع من التفاهم بين المشاركين في التجربة التواصلية. (5)
عقلنة العالم المعيش، وتتناول مكونات العالم المعيش، وإمكان إعادة بنائه بناء عقلانيا باعتباره السياق الاجتماعي الذي تتم فيه أفعال التواصل.
صفحة غير معروفة