Dasein
ليبدأ مرحلة جديدة في فهم الإنسان. ويبدأ أيضا بحثه عن «الوجود الأصيل» مسقطا بذلك مشكلة وجود العالم الخارجي؛ لأن الموجود هناك بطبيعته موجود في العالم، وبحثه عن وجوده الخاص يرتبط ببحثه عن الوجود العام. وينطلق هيدجر في «تحليلاته الأنطولوجية للوجود الإنساني من الحياة اليومية أو «الموقف الطبيعي» الذي نحياه جميعا. وهذه التحليلات للوجود-في-العالم، والوجود بالقرب من الأشياء والمعية والأداتية ... إلخ تعد من أثمن ما قدم هيدجر للحياة الفلسفية.»
40
مما جعله يمثل تحولا بارزا في الفكر المعاصر خاصة في كتابه «الوجود والزمان» الذي يعتبره بعض الباحثين بداية عصر جديد من التفلسف كان له أكبر الأثر على بعض التيارات الفلسفية في القرن العشرين.
يؤكد هيدجر أن المنهج الوحيد الملائم للتحليل الوجودي هو المنهج الفينومينولوجي، ولكنه لم يأخذ بمفهوم هوسرل للظاهريات «كفلسفة ترانسندنتالية تصل في مراحلها التكوينية الأخيرة إلى رد كل شيء إلى الأنا (الذات أو الوعي) الخالص الذي يبقى ولو فني العالم كله ... ولكنه يعلن تنصله من الظاهريات فلسفة واتجاها، واستفادته منها منهجا وطريقا للكشف عن أشكال الوجود.»
41
وكأن فلسفة الظاهريات تقوم عند هيدجر بدور عمل التأويل، وهي تدرس الكينونة من أجل تفسير تركيبها وتكوينها، وتصبح الفلسفة نظرية أنطولوجية فينومينولوجية عامة، تنتج عن تأويل «الموجود-هناك».
42
مهمة التحليل الأنطولوجي إذن عند هيدجر هي الكشف عن الوجود الإنساني بصفة عامة، أي وجوده-في-العالم، بمعنى أنه يمضي من تحليل الموجود إلى تحليل الوجود.
والوجود - في - العالم عند هيدجر يعني أن الوجود البشري قذف به على غير إرادته في عالم ليس من صنعه، وفي محاولته - أي الموجود البشري - المستمرة للخروج من ذاته يصطدم بعالم الأشياء والأدوات ليحقق إمكانياته، ويكون ما لم يكنه، والموجود البشري لا يوجد في العالم فقط، بل أيضا مع الآخرين. والقلق الوجودي - وليس السيكولوجي - هو ما يميز حياة «الموجود-هناك»، وهو الحالة الانفعالية التي تتكشف فيها حقيقة الوجود، وأنه وجود للموت، وأن الموت هو أعلى إمكانيات «الموجود-هناك» وهي إمكانية انتهائه وموته. ومفهوم هيدجر عن الموت يفترض كذب المفهوم الأفلاطوني، المسيحي، بمعنى انفصال الجسد الفاني عن الروح الخالدة، فالموت عدم مطلق، سقوط في اللاشيء. وكما ألقي الإنسان في العالم بدون هدف أو معنى، فهو يلقى به أيضا للموت وبدون أن يكون لمجيئه أو رحيله معنى.
صفحة غير معروفة