19
ولكن فلسفة برجسون انحسرت مع نهاية الحرب العالمية الثانية - على الرغم من انتشارها السريع والشهرة التي حظيت بها في معظم بلدان أوروبا، وامتدت إلى الشعوب الشرقية - ويعزو البعض هذا الانحسار إلى اهتمامها المبالغ فيه بالزمان الشعوري، باعتبار أنه وحده هو الزمان الحقيقي، وتجاهلها للزمان المكاني. وربما يعود السبب الحقيقي لهذا الانحسار هو اكتساح الوجودية للساحة الفلسفية والفكرية في فرنسا في تلك الفترة وخاصة الوجودية السارترية. (3-2) البراجماتية
تعد البراجماتية من بين فلسفات القرن العشرين التي أدت دورا هاما في الفكر المعاصر، واشتهرت بأنها شديدة الإحساس بالمصالح الإنسانية. وهي الفلسفة التي ترجمت الأفكار إلى فعل وعمل؛ فالحقيقي في الفلسفة البراجماتية هو ما يمكن التحقق من صدقه في الواقع الموضوعي، وأن المنفعة والقيمة والنجاح هي المعيار الوحيد للحقيقة. ولا نستطيع القول إن البراجماتية مذهب فلسفي بقدر ما هي منهج يتتبع النتائج العملية للأفكار. وعلى الرغم من ردود الأفعال المتباينة التي تشكك في قيمة وأصالة البراجماتية، إلا أنها تعبر عن فلسفة حضارة جديدة، فبدون تشارلز بيرس ووليم جيمس، وجون ديوي (وهم أعلام هذا التيار) يصعب تخيل الحياة العقلية في القرن العشرين وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية معقل هذا التيار. وعادة «ما ينظر إلى بيرس على أنه سقراط النزعة البراجماتية، وجيمس على أنه أفلاطونها أما ديوي فهو أرسطو.»
20
في حضارة القارة الجديدة.
تشارلز بيرس (1839-1914م) «أول فيلسوف أمريكي يخرج على العالم بفكر جديد يبلور فيه الحياة العقلية كما تمثلت في القارة الجديدة، فهو الذي خلق الفلسفة البراجماتية خلقا، ثم هو الذي بلغ بها غاية كمالها، حتى إذا ما جاء بعده التابعان الكبيران اللذان سارا على نهجه، وهما وليم جيمس وجون ديوي لم يسعهما إلا أن يتحركا في الإطار نفسه.»
21
وأهم ما يميز فلسفة بيرس هي أنها فلسفة علمية وليست تأملية، وأنها بعيدة عن الرطانة الفلسفية الأكاديمية. ويعتبره البعض «أكبر مفكر أنجبته أمريكا، له إسهاماته المتميزة في المنطق، وفلسفة العلم، والميتافيزيقا، والإبستمولوجيا، وفروع أخرى من الفلسفة بجانب اشتغاله بالعلم.»
22
والفكرة الأساسية عند بيرس هي أن الوظيفة الوحيدة للفكر تنحصر في النتيجة العملية المثمرة التي يتمخض عنها الفكر. ويشترك وليم جيمس (1842-1910م) مع بيرس في هذه الفكرة الأساسية، وهي أن الفكر لا يكون مفيدا وله معنى يمكن فهمه، ولا يكون له مصداقية إلا من خلال علاقته بغاياته، فالمعرفة بالنسبة لهما ليست تأملا ولا حدسا، بل هي فعل وعمل.
صفحة غير معروفة