الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة

ليو تولستوي ت. 1450 هجري
85

الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة

تصانيف

أجابها بابتسامة في غير موضعها: كلا يا سيدتي. - لقد عدت من باريز على ما أعتقد؟ إنه لأمر مثير! أليس كذلك؟ - كل الإثارة.

فهمت آنا ميخائيلوفنا من النظرة التي خصتها بها صديقتها، أنها تستنجد بها لتحل عقدة لسان هذا الشاب، فاقتربت من بيير وراحت تسأله عن أبيه، لكنها - كما كان حال الكونتيس - لم تظفر منه إلا بأجوبة قصيرة مغمغمة، وكان المدعوون يثرثرون بينهم، فيعلو لغطهم تارة، وينخفض أخرى، ويصغي المرء إلى «آل رازوموفسكي ... لقد كان ذلك رائعا ... إنك ذات فضل ... الكونتيس آبراكسين»، تتردد على ألسنة المتحدثين، وفجأة نهضت الكونتيس، وانتقلت إلى صالة الرقص.

سمع صوتها وهي تسأل: ماري دميترييفنا ؟

وصوت آخر قوي يجيب: هي بذاتها.

ودخلت ماري دميترييفنا إلى البهو.

نهضت كل الشابات والسيدات - ماعدا المسنات منهن - لاستقبال القادمة، وقفت ماري دميترييفنا على عتبة الباب، وراحت تشمل الحشد بنظرة مترفعة، وهي تسوي أكمامها بتؤدة، وكأنها تريد حسرها عن ذراعيها. كانت ضخمة الجثة، متينة التكوين، يشمخ رأسها باعتداد واعتزاز بخصلات الشعر الأصهب التي تكلله.

قالت القادمة بصوت جهير خطير ساد على الضجيج المنبعث: عيدا سعيدا لسيدة الدار وأولادها.

وأردفت بالروسية التي لا تعرف لغة سواها، تخاطب الكونت الذي كان يقبل يدها: وأنت أيها الفاسق العجوز، إنك متبرم بالحياة في موسكو، أليس كذلك؟ إنك لا تجد كلابا تضنيها بالصيد والقنص، لكنك يا صديقي لن تستطيع إلا تقبل الواقع؛ لأن عصافيرك تنمو (وأشارت بيدها إلى الفتيات الصغيرات) فإذا شئت أم أبيت، فإنه يجب عليك أن تجد لهن أزواجا.

والتفتت إلى ناتاشا التي كانت تقترب منها بجرأة لتقبل يدها، وقالت: باه! أهذه أنت، أيتها القوقازية؟

وراحت تجري بيدها على شعرها ملاطفة وهي تناديها بكلمة «قوقازية»، التي درجت على إطلاقها عليها، وأعقبت: إنك ماجنة يا فتاة، لكن ذلك يرضيني.

صفحة غير معروفة