الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة

ليو تولستوي ت. 1450 هجري
79

الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة

تصانيف

كان بيير يهدف إلى طمأنة بوريس وتهدئة خاطره، غير أن هذا قاطعه ليهدئ من ثائرته بقوله: إنني مسرور لأنني قلت لك ما قلت، فاعذرني إذا بدا لك قولي مزعجا، آمل ألا أكون قد جرحتك أو أهنتك، إن مبدئي هو التحدث أبدا بكل صراحة. حسنا، أي جواب أحمله إلى آل روستوف؟ هل تقبل دعوتهم؟

استعاد بوريس هدوءه وبشاشته بعد أن تخلص من واجب شاق أداه، وأحسن تصرفا في إيضاح اللبس الذي قد يحيط به في بال الآخرين.

قال بيير، وقد استعاد بدوره اتزانه بعد لأي: أصغ إلي، إنك مدهش، إن ما قلته لي منذ حين حسن ومقبول، إنك لا تعرفني ولا شك، لقد انقضى زمن طويل لم نر بعضنا خلاله، زمن يعود إلى الطفولة؛ لذلك فقد كان بمقدورك أن تعتقد أنني ... إنني أفهمك، إنني أفهمك تماما. صحيح أنني ما كنت لأتصرف على هذا النحو؛ لأن الشجاعة الكافية تعوزني، لكنني مع ذلك راض عما قلت وسعيد بمعرفتك، إن ما خمنته بصددي غريب!

صمت برهة، ثم أردف ضاحكا: إن هذا لا يهم، سوف نتعرف على نفسيتنا مستقبلا بشكل أوضح.

وضغط على يده بشدة وأعقب: أتدري أنني لم أر الكونت بعد؟ إنه لم يستدعني، رغم أن حالته الصحية تقلقني وتزعجني كثيرا. لكن ما العمل؟

سأل بوريس وهو يضحك: إنك تعتقد إذن أن اجتياز بحر المانش من قبل نابليون أمر ممكن؟

أدرك بيير أن بوريس يغير الحديث، ويوجهه وجهة أخرى، ولما كان الموضوع الذي تطرق له يستأثر بكل اهتمامه وميله، فقد راح بيير يشرح مثالب المحاولة ومحاسنها، شرح الخبير المتعمق.

وجاء خادم من طرف الأميرة يستدعي بوريس، فوعده بيير قبل ذهابه أن يحضر مأدبة روستوف؛ ليتاح له الاختلاط به، وشد على يده مصافحا وهو ينظر إليه خلال نظارتيه بتودد وألفة، فلما ارتحل بوريس، عاد بيير يذرع الغرفة جيئة وذهابا، لكنه بدلا من أن يحارب خصوما مجهولين وأن يقاتلهم، كان يبسم مبتهجا لذكرى الشاب البهي، الذي تتساوى بداهته بطلاقة لسانه واتزانه، وراح بيير يكرر في نفسه - شأن كل الشباب عندما يناقشون في خلواتهم آراء عرضت لهم - رغبته في أن يصبح صديق بوريس، استجابة للشعور الذي أحس به نحوه، والذي كان يلح عليه بالتقرب من الضابط الشاب.

وبينما كان بيير يناقش نفسه على ذلك الشكل، كان الأمير بازيل يشيع الأميرة، وهي تجفف عيونها بمنديلها وتقول: إنه أمر مريع مفزع! لكنني سأقوم بواجبي مهما كلفني القيام به من ثمن، سأسهر عليه عندما يقتضي الأمر السهر؛ إذ لا يمكن أن ندعه يقضي دون أن يعترف، إن اللحظات ثمينة جدا. ما تنتظر الأميرات؟! لعل الله يلهمني سبيل إعداده لملاقاته. وداعا يا أميري، وليساعدك الله! - الوداع يا سيدتي الطيبة.

وغادرها الأمير، وكر عائدا إلى مخدعه.

صفحة غير معروفة