الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة

ليو تولستوي ت. 1450 هجري
62

الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة

تصانيف

أنهى الكونت كلماته دون أن يلاحظ الابتسامة الساخرة التي رفرفت على فم مدام كاراجين.

وتحول موضوع حديث الكبار إلى بونابرت وقضاياه الشائعة، فانتهزت جولي - ابنة مدام كاراجين - هذه الفرصة، والتفتت إلى روستوف الشاب تقول بحنان: كم كان مؤسفا أنك لم تحضر الخميس المنصرم إلى حفلة آل آرخاروف! لقد سئمت جدا بدونك!

جلس نيكولا بجانب جولي التي لم تكن تقل عنه ابتساما، كان حديثها قد أرضى غروره، فجلس إلى جانبها وعلى شفتيه تلك الابتسامة؛ ابتسامة الشباب الماجن، وراح يتحدث معها حديثا خاصا، لم يلحظ خلاله أن تظرفه المبتذل كان وقع الحسام في قلب سونيا التي كانت تتحرق من الغيرة، وتحاول عبثا إخفاء ما بها بإظهار الوداعة والانشراح. وفجأة، رفع أبصاره إلى وجهها؛ وعندئذ صعقته سونيا بنظرة تتصارع العاطفة فيها مع الغضب والغيظ، ثم أمسكت دموعها بجهد بالغ، واستبقت على شفتيها طيف ابتسامة وغادرت البهو، فخبا حماس نيكولا دفعة واحدة. قطع حديثه مع جولي حالما أتيح له ذلك دون أن يخدش شعورها، ومضى وعلى وجهه أمارات القلق، يبحث عن سونيا.

قالت آنا ميخائيلوفنا مشيرة إلى نيكولا الذي كان يغادر القاعة: كما تبدو أسرار الشبيبة مفضوحة ظاهرة! إن قرابة العمومة جوار خطر!

فقالت الكونتيس، عندما خبا الإشعاع الذي تسلل إلى القاعة مع الشبان الذين غادروه: نعم.

ثم أجابت على سؤال لم يكن أحد قد طرحه عليها، بل كانت تشعر بإلحاحه يؤرقها: كم من مزعجات وقلق احتملنا حتى باتوا اليوم يشيعون في نفوسنا بعض البهجة! ثم إن هذه البهجة يفسدها الخوف؛ أي إننا لنقضي حياتنا كلها في العذاب؛ لأنه في مثل هذه السن يتعرض الشبان والفتيات لأشد الأخطار.

قالت الزائرة: إن الأمر متوقف على تربيتهم.

أجابت الكونتيس، وهي تتصور أن أولادها لا يخفون عنها سرا - شأن كثير من الأمهات: لا شك! لقد كنت دائما صديقة أولادي، وهم يثقون بي ثقة عمياء، سأكون أبدا موضع سر فتياتي. أما نيكولا، فإنه بطبيعته الثائرة مرغم على أن يرفه عن نفسه على شكل ما، ككل الشبان ، لكنه لا يمكن أن يتجاوز الحدود كأولئك السادة في بيترسبورج. إنني واثقة من ذلك.

وأيدها الكونت بقوله: نعم، إنهم ذوو طبيعة ممتازة (وكلمة «ممتازة» هذه، كانت تعطي للكونت حلا لكثير من المسائل الشائكة) صدقي، إنه يريد الالتحاق بقطعات الخيالة! ماذا تريدين مني أن أعمل يا عزيزتي؟

قالت مدام كاراجين: يا لها من مخلوقة رائعة؛ ابنتك الصغرى! إنها جياشة كالبارود.

صفحة غير معروفة