محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
تصانيف
وكان حضوره إلى مصر في التاسع من صفر سنة 1167ه، وسكن بخان الصاغة.
يقول الجبرتي: وكان «أول من عاشره وأخذ عنه السيد علي المقدسي الحنفي من علماء مصر، وحضر دروس أشياخ الوقت؛ مثل الشيخ: أحمد الملوي، والجوهري، والحفني، والبليدي، والصعيدي، والمدابغي، وغيرهم، وتلقى عنهم، وأجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه.»
واتصل السيد محمد مرتضى بأعيان مصر وكبار رجالها وأمرائها، «واعتنى بشأنه إسماعيل كتخدا عزبان ووالاه بره، حتى راج أمره، وترونق حاله، واشتهر ذكره عند الخاص والعام، ولبس الملابس الفاخرة، وركب الخيول المسومة.»
وبدأ السيد محمد - مدفوعا بحبه للرحلة، ونهمه للاستزادة من العلم - يتنقل في أنحاء مصر، فسافر إلى الصعيد ثلاث مرات، واجتمع بأكابر أعيانه وعلمائه، وأكرمه شيخ العرب همام، وأولاد نصير، وأولاد وافي، وهادوه وبروه. وارتحل كذلك إلى مدن الوجه البحري الكبرى، فزار دمياط، ورشيد، والمنصورة، وغيرها من المدن التي كانت عامرة بالعلماء، حافلة بحلقات العلم، واجتمع بشيوخ هذه المدن وعلمائها وأصحاب الطرق فيها، وتلقى عنهم وأخذوا عنه، وأجازوه وأجازهم، قال الجبرتي: «وصنف عدة رحلات في انتقالاته في البلاد القبلية والبحرية، تحتوي على لطائف ومحاورات ومدائح نظما ونثرا، لو جمعت كانت مجلدا ضخما.»
جاب الزبيدي في مصر جنوبا وشمالا، وتعرف على من بها من العلماء، وحضر حلقات الدرس، وأخذ عن مشاهيرهم وأخذوا عنه، وتعرف عليه الأمراء والأعيان وشيوخ العرب وبروه وأكرموه، ووجد بهذا كله ضالته في مصر، فردد قول الشاعر القديم:
فألقت عصاها واستقر بها النوى
كما قر عينا بالإياب المسافر (1-4) زواجه
وقر رأيه على البقاء في مصر، ورأى أنه لكي يحيا حياة هادئة مستقرة؛ لا بد أن يتأهل، فتزوج من سيدة مصرية فاضلة، اسمها زبيدة، واتخذ له بعد الزواج سكنا جديدا في عطفة الغسال، مع احتفاظه بسكنه القديم بوكالة الصاغة، فهذا السكن القديم قريب من الأزهر، حي المساجد والمدارس، والعلم والعلماء.
ولم يذكر هو ولم يذكر من ترجموا له شيئا عن الأسرة التي تزوج منها أو عن تاريخ زواجه، ولكنني أرجح أن هذا الزواج تم حوالي سنة 1174ه، أي بعد وصوله إلى مصر بنحو سبع سنوات؛ فإنه يذكر أنه أتم شرح القاموس في سنة 1188ه، وأنه قضى في شرحه أربعة عشر عاما، وما كان الزبيدي يستطيع أن يتم عملا علميا شاقا كهذا إلا إذا كان يحيا حياة منظمة هادئة مستقرة، أي بعد زواجه، وخاصة أنه كان موفقا في زواجه؛ فقد رزق زوجة يحبها وتحبه، وتبذل قصارى جهدها للحدب عليه وتوفير وسائل الراحة له، كما نص على ذلك هو في الشعر الكثير الذي رثاها به. (1-5) شرح القاموس
بدأ الزبيدي إذن عمله العلمي الضخم - وهو شرح القاموس - حوالي سنة 1174ه، وقد دفعه إلى هذا العمل ما شاهده من رغبة العلماء في فهمه، وما أحسه من حاجتهم - وخاصة علماء الحديث - إلى الاستعانة به في دروسهم ودراساتهم، يقول في مقدمته: «فلما آنست من تناهي فاقة الأفاضل إلى استكشاف غوامضه والغوص على مشكلاته، ولا سيما من انتدب منهم لتدريس علم غريب الحديث، وإقراء الكتب الكبار من قوانين العربية في القديم والحديث، فناط به الرغبة كل طالب، وعشا ضوء ناره كل مقتبس، ووجه إليه النجعة كل رائد ... قرعت ظنبوب اجتهادي، واستسعيت يعبوب اعتنائي في وضع شرح عليه ممزوج العبارة، جامع لمواده بالتصريح في بعض وفي بعض بالإشارة ...»
صفحة غير معروفة