369

الحرافيش

تصانيف

وفي ذلك الوقت البارد الأصفر تصدى يوم غريب كأنما هبط من كون آخر؛ فقد زفت إحسان بنت الفتوة سماحة إلى ابن صاحب وكالة الخشب. أقيم حفل خيالي لم تشهد له الحارة مثيلا، تحدى الزمن والجوع. وأعلنت فردوس هانم أنها ستطعم جميع الحرافيش. وتجمهر الجياع في ساعة العرس.

وما إن ظهرت الصواني على رأس الخدم حتى هجم الحرافيش كالوحوش الضارية. تخاطفوا الطعام وتخالطوا مثل ذرات الغبار في يوم عاصف. وانتشر الشد والجذب والخطف، ثم التلاحم والشجار، حتى امتزج الدم بالمرق. وثمل الناس بالفوضى والشغب، واندفعت موجة منهم إلى البوظة فاكتسحتها. التهمت المزة وعبت من براميل البوظة، ثم انطلقوا في الحارة مهللين، وقذفوا بالطوب أشباح الخرابات، وخضعت الحارة للعربدة الهوجاء حتى مطلع الفجر.

21

في اليوم التالي تعرضت الحارة لحملة تأديب وإرهاب. انتشر فيها رجال سماحة، ومضى الفتوة يقطعها من القبو حتى مشارف الميدان ذهابا وإيابا. ولم ينج حرفوش من علقة أو إهانة، وتفشى الذعر فخلت الحارة من السابلة، وأغلقت الدكاكين، وهجرت القهوة والغرز، حتى الزاوية لم يقصدها عابد في ذلك النهار.

22

وجلس فتح الباب إلى جدته كئيبا محزونا، وجعل يقول: جدي عاشور لن يرجع!

فرمقته العجوز بنظرة حزينة فقال: ما زال غاضبا علينا!

فتمتمت سحر: أيام أشد من أيام الوباء. - وفي التكية ما زالوا ينشدون للطرب! - لعلها دعوات يا بني!

فتساءل فتح الباب بقلق: ألا يجدر بهم أن يجودوا على الناس ببعض ما عندهم؟

فقالت سحر بحرارة: لا يجوز عتابهم. - عندهم التوت، والأرض مزروعة بالخضر.

صفحة غير معروفة