واندفعت عجلة البلاء بلا تدرج. ارتفعت الأسعار ساعة بعد ساعة. تلبد الأفق بسحب سوداء. عملت حوانيت الغذاء نصف يوم لندرة الأطعمة. تلاطمت الشكاوى والأنات، وتكونت أمام محال الدقيق والفول مظاهرات. لم يعد للناس من حديث إلا الطعام. لهجوا به في البوظة والغرزة والقهوة. اندلع الشرر فاشتعل نارا. حتى الوجهاء جهروا بالشكوى، ولكن لم يصدقهم أحد، وفضحتهم وجوههم الريانة الموردة. وقال عنبة الخمار: إنه الوباء!
وتمادت الأسعار في الارتفاع وبخاصة الغلال، وراح سماحة يصيح: لم يعد يبقى ما يكفي العصافير!
غير أن فتح الباب قال لجدته ليلا: ما أكذبه يا جدتي! المخزن ملآن!
وقال لها أيضا: ما الأسعار التي يفرضها إلا إتاوة جديدة.
فقالت له بإشفاق: احفظ لسانك يا بني.
فقال متألما: إنه وحش لا تعرف الرحمة قلبه.
19
وازداد الجو عبوسة ودمامة. وامتطت الأسعار الجنون. ندر الفول والعدس والشاي والبن، واختفى الأرز والسكر، وتدلل الرغيف. وندت عن الأعصاب المرهقة بوادر استهانة؛ فتعددت السرقات، وتعاقب خطف الدجاج والأرانب، وبعض السائرين ليلا نهبوا أمام بيوتهم، وانبرى رجال العصابة ينذرون ويبددون، ويدعون إلى الأخلاق والتضامن بحناجر قوية وبطون مكتنزة.
وكشفت الأيام عن أنيابها الحادة القاسية، وتضخم شبح الجوع كالمئذنة المجنونة، فشاع أن الناس يأكلون الخيل والحمير والكلاب والقطط، وأنهم عما قليل سيأكل بعضهم بعضا.
20
صفحة غير معروفة