حقيقة التأويل - ضمن «آثار المعلمي»
محقق
عدنان بن صفا خان البخاري
الناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٤ هـ
تصانيف
تثبيتٌ للشريعة، وتأكيد للإيمان، ودونها صفات أخرى تُذْكَر في القرآن في صَدَد تقرير معنًى من المعاني لا يتوقَّف فَهمُه على العلم بكُنْهها، ولكن ذكرها معه يفيدُه قوةً لا تحصل بدونها، كقول الله تعالى: ﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: ٧٥]. فأصل المقصود إظهار زيادة الاعتناء بآدم ﵇، وتشريفه على ما سواه، وهذا المعنى معروف من الكلام، لا يتوقّف على العلم
بكُنهِ اليدين، ولا نقول كما يقول بعضهم: هذا الكلام تمثيلٌ لابد، فيه إظهار العناية والتّشريف وليس هناك يدان، وإنَّما هو تخييل كما قالوه في قول الشاعر (^١):
إذْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشِّمَالِ زِمَامُهَا
لا والله لا نقول ذلك، فإنَّه من الزَّيغ، بل نقول: إنَّ لله ﷿ يَدَين خلق بهما آدم ﵇، ولكنّنا لا نعلم كُنْهَهُمَا، وجَهْلُنا بكُنهِهِما لا يمنع من فهم معنى الكلام، ولا يلزمُ منه أنَّ ذِكرهُمَا لا فائدة له، بل له أعظم الفائدة كما عَلِمْتَ.
ومع هذا فلا نقول: إنَّ فائدة ذكر الصفة مقصورة على ما ذُكر، بل هناك فائدةٌ أخرى، وهي الابتلاء؛ ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾ [المدثر: ٣١].
وأمّا التدبُّر فقد أُمِرنا به مطلقًا، ولا يتوقَّف فائدة التدبُّر على العِلْم بكُنْهِ
_________
(^١) هو لبيد بن ربيعة، من معلقته، كما في "ديوانه" (ص ١١٤)، وهو عجز بيتٍ صَدْرُه:
وَغَدَاةِ رِيْحٍ قد وَزَعْتُ وَقَرَّةٍ
6 / 65