حقيقة التأويل - ضمن «آثار المعلمي»
محقق
عدنان بن صفا خان البخاري
الناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٤ هـ
تصانيف
ولبيان خطئه أضرب مثلًا ثانيًا:
افرض أنَّه لا يوجد في الدُّنيا من الألوان إلَّا السَّواد والبياض، ثم أُخْبِر إنسان بأنَّ هناك شيء يُرَى، أليس يقول: أسود؟ فإذا قيل: لا! فيقول: أبيض؟
فيقال: لا، فيقول: فليس في الوجود شيءٌ يُرَى إلَّا إمَّا أبيض وإمَّا أسود!
فهذا مثل القوم؛ فإنَّهم لمَّا لم يعرفوا في المرئيَّات إلَّا هذه المحسوسات قالوا: لو أمكن رؤية الله ﷿ لكان من جنس هذه المحسوسات!
والمقصود من المثال التَّفهيم، وإلّا فلا يخفى أنَّ الحُمْرة من جِنْس الألوان، وليس الله ﷿ من جِنْس الخَلْق، ولو فُرِض أنَّ إنسانًا لم يَرَ صقيلًا تنطبع فيه صورته، ثمّ أُخْبِر بأنَّ الإنسان يمكنه أن يدرك بمعونة حاسَّة بصره لون حَدَقَته، فيَعْلَم أنَّها سوداء أو زرقاء أو غير ذلك بدون أن تخرج إحدى عَيْنَيه من موضعها، ولا يتغيَّر شكله، أليس يبادر فيقول: هذا محالٌ!
والمقصود من هذه الأمثلة تقريب المعنى الذي ذكرناه، من أنَّ الإنسان يجحد ما لا يحسُّ به، [وبما لا يشبهه] (^١).
ولو قلتَ لبدويٍّ لم يسمع بالآلات المخترعة: إنَّه يمكننا أن نسمع كلام أهل أمريكا ونحن بحضرموت بدون معجزةٍ، ولا سحرٍ، ولا كرامةٍ = لقال: هذا كذب! ولو لم يكن قد سَمِع بالمعجزات والكرامات والسِّحر ما احْتَجْتَ أن تقول له: بدون كذا ولا كذا.
إذا علمتَ هذا؛ فإنَّا نقول: كان الصَّحابة ومَن بعدهم مِمَّن لم يتحكَّك بالبدع يعلمون حقَّ العِلم أنَّه لا سبيل للعقل إلى تصوُّر يد الله ﷿، ولا
_________
(^١) في الأصل: "ولا بما يشبهه".
6 / 42