حقيقة التأويل - ضمن «آثار المعلمي»
محقق
عدنان بن صفا خان البخاري
الناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٤ هـ
تصانيف
وجلَّ واجبةٌ كاملةٌ مُبرَّأةٌ، وأنَّ صفات المخلوق فانيةٌ ناقصةٌ معيبة، ولكنَّ ذلك لا يمنع وجود اشتراك في الجملة يتهيَّأ به الإدراك، على أنَّنا إنَّما نُدرِك صفات الله ﷿ على وجهٍ إجمالي.
فأمَّا اليد ــ مثلًا ــ فإنَّنا لا نجد ذاتًا تشبه ذات الرَّب ﷿ في الصُّورة ــ
تفصيلًا ولا إجمالًا ــ حتى نُدرِك يده تعالى بالقياس على يد تلك الذات التي نعرفها. هذا في الإثبات.
وأمَّا في النَّفي فلم نُدرِك ذاتًا تشبه ذاته ﷿، وليس لها يدٌ حتى نُدرِك بالقياس عليها أنَّه ليس له سبحانه يدٌ، غاية الأمر أنَّنا نُدرِك أنَّه سبحانه منزَّهٌ عن النَّقص، ولكنَّنا لا نُدرِك أنَّه لو كان له يدٌ تليق به لكان ذلك نقصًا، ومَن زَعَم أنَّه يُدرِك هذا فإنَّه تخيَّل يدًا كيد المخلوق، فلذلك جَزَم بأنَّها نقصٌ.
والإنسان إذا حاول أن يتصوَّر شيئًا؛ فإن كان قد أدركه بواسطة الحواسِّ فذاك، وإلّا فإنْ كان قد أدرك ما يشابهه فإنَّه يتصوَّره بتلك الصُّورة، ولكنَّ العقل إذا عَلِم أنهما لا يتشابهان في كل شيءٍ جَرَّد الصورة المُتَخيَّلة من بعض الأوصاف.
وإذا كانت الصُّور المشابهة لِمَا يحاول تصوُّره كثيرة فإنَّ الفكر يتصوَّر صورةً على القدر المشترك بين تلك الصُّورة التي أدركها مجرَّدة عن الخواص التي تختلف، وربما ضَمَّ إليها صِفةً، أو نقص منها صفةً إذا قام لديه ما يوجب ذلك.
فإذا سمعت برجلٍ إنجليزيٍّ لم تَرَهُ، ولا رأيتَ صورتَه، ولا وُصِف لك، وكلَّفتَ ذهنك أنْ يتصورَّه، وكنت قد رأيت جماعةً من الإنجليز= فإنَّ ذِهْنَك يتخيَّل صُورةً على القدر المشترك بين الذين رأيتهم حتى يتخيّل اللباس.
6 / 39