حقيقة التأويل - ضمن «آثار المعلمي»
محقق
عدنان بن صفا خان البخاري
الناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٤ هـ
تصانيف
جميلة يعشقها، ولا يستطيع زواجها، فلم يتمالك نفسه أن وقع عليها، وكان قد تزوَّج امرأةً، وبات معها ليلةً واحدةً ثمَّ ماتت، ولمَّا كان مُحْصنًا فحدُّه الرَّجم.
فأنت ترى الثاني أحقّ من الأول بالتَّخفيف، ولكنَّ الشرع لم يُخفِّف عنه؛ وإنَّما كان ذلك لأنَّ الجُرأة على المعصية أمرٌ يخفى ولا ينضبط، فأناط الشرعُ الأمر بصفةٍ واضحةٍ منضبطة، وهي الإحصان وعَدَمه؛ لأنَّ الغالب في الزَّاني المُحْصَن أن تكون نفسُه أرغب عن الزِّنا من غير المُحْصَن، فإذا زنى مع ذلك كانت جُرأته أشدّ من غير المُحْصَن.
ولكنَّ الحَكَمَ العَدْل ﵎ يَجْبُر ما يستلزمه القانون العام من خَلَلٍ في بعض الجزئيات بقَدَرِه الذي لا يعجزه علم الحقيقة، ولا تقدير ما يوافق الحكمة.
ولذلك صورٌ قد ذكرت بعضها في غير [هذا] الموضع، والذي يختصُّ بهذا الموضع هو أنَّ الله ﷿ قد يعلم أنَّ هذا الشيء الذي دلَّت الآية بعمومها على أنَّه حلالٌ، وبيَّنت آيةٌ أُخرى أنّه حرام= يعلم سبحانه أنَّ الحِكْمة لا تقتضي تحريم ذلك الشيء على هذا الشخص، فيَسَّره سبحانه بقَدَرِه إلى أن يسمع الآية العامَّة ولا يسمع الآية الأخرى، فهو وإن كان مخطئًا بالنَّظر إلى الحكم الشرعيِّ، فهو مصيبٌ بالنَّظر إلى الحكم الذي علم الله ﷿ أنّه أنسب به، ولا يأتي مثل هذا في الكفر.
واعْلَم أنَّ المُؤَوِّلين يُكابِرون، والمكابرة لا علاج لها إلَّا الكَيُّ، ولكنَّ جماعةً من متبحِّريهم أَنِفُوا من المكابرة ووقعوا في شرٍّ منها؛ لأنَّهم أصرُّوا على شُبهاتهم الفلسفية.
6 / 33