وإن أطلق الله سبحانه اسم الكفر على عمل من الأعمال - سواء بالنص أو بما يقوم مقامه - كان فاعله كافرًا لأننا نثبت التلازم بين الظاهر والباطن، أما أن تؤخذ قاعدة التلازم لإثبات قدر زائد عن مجرد الوصف الثابت شرعًا لمرتكب الفعل، ويستنتج منها شئ بدون دليل قطعي فهذا ما لا محل له، وهنا وقعت الخوارج في التكفير بالمعصية أو الإصرار.
ثانيًا: على الحقيقة: فإن المقيم على الذنب المداوم عليه دون توبة له حالتان:
١- إما أن يكون مصرًا - أي مقيمًا - بدافع الشهوة الجامحة للمعصية أو النفرة من فعل الأمر مع التزامه وانقياده قلبيًا له، فهذا هو العاصي الذي تعتبر صغيرته كبيرة باعتبار إصراره عليها.
٢- أن يكون مصرًا بمعنى أن ينعقد قلبه على عدم الترك للمعصية أبدًا، فيكون معاندًا لله سبحانه في أمره وهذا في حقيقته هو من سقط عقد قلبه، وذهب انقياده والتزامه وفسد اعتقاده، فهو كافر في الحقيقة عند الله ﷿، وإن كنا لا نحكم بكفره ظاهرًا حتى يأتي أمرًا لا خلاف عليه في دلالته على الاستحلال كأن يعلن ذلك بنفسه، أو بما يدل عليه كأن يعلن أنه اتخذ هذا العمل أو هذا السبيل المغاير للشرع منهجًا ثابتًا لا يتغير وقاعدة لحياته، ودعا الناس إليه وأعلن محاسنه - حتى ولو لم يعلن استقباح الشرع في المقابل - فإن هذا دليل كافٍ على فساد اعتقاده واستحبابه لشرع غير شرع الله تعالى، فإن سبيله في فعل المعصية هكذا يكون كمن شرعها لتكون منهجًا وسُنة لا طارئ عارض يلم بالنفس فيدفعها للمخالفة ثم يذهب وإن تكرر مرات ومرات كما هو حال من أصر ولم يكفر.
فهذا الشأن دال على الكفر بالاستحلال، ولا سبيل إلى التأكد من كفر مرتكب المعصية المقيم عليها بغير هذا السبيل.
وقد قرر شارح الفقه الأكبر دلالة الاستحلال بما قلناه:
1 / 71