ثم قال: (قد بينا في معنى (رأى العين) ما تزول معه الشبهة، لأنه إن كان هناك منع من رؤية جميعهم، فلم يروهم إلا مثليهم على التحقيق، وإن كان المراد بذلك طريقة الظن، فهو محمول على الامارة، والرؤية مشتركة مستعملة في الادراك، وفي العلم، وفي الظن، فإذا كان المظنون من باب ما يرى وتظهر أمارته عيانا، جاز أن يوصف بذلك).
قلت أنا: إن الله سبحانه قد بين الغرض في تقليل المشركين في أعين المسلمين في السورة التي يذكر فيها الأنفال قبل الآية التي ذكرناها، وهو قوله تعالى: (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر... الآية - 43)، ثم أعقب تعالى ذلك بأن قال: (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا... الآية) فوجب أن تكون رؤية النوم ورؤية اليقظة يجري بهما إلى غرض واحد، وقد بين تعالى: أنه أرى رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه جمع المشركين قليلا لئلا يفشل المسلمون ويهنوا ويتواكلوا ويجبنوا، ولتقوى قلوبهم وتشتد (منهم) (1) بقلة عدد عدوهم، فيجب أن يكون ما أراه الله سبحانه من قلة المشركين في اليقظة مرادا به هذا المعنى، فأما تقليل المسلمين في أعين المشركين، فقد ذكرنا الغرض فيه متقدما فلا معنى لإعادته، وإذا كانت رؤية المنام على الحال المؤنسة، كثيرا ما تقوى بها النفوس وتطمئن إليها القلوب، حتى تزيد في انشراح الصدر وتؤثر في اشتداد الأزر،
صفحة ٤٤