بعيدا منه قصيا، وغريبا أجنبيا.
وإذا كان ذلك سائغا في اللغة وجب حمله على موافقة دلالة الآية، في وجوب رد المتشابه إلى المحكم، فيعلم الراسخون في العلم تأويله إذا استدلوا بالمحكم على معناه، ولو كان العلماء لا يعلمون شيئا من تأويل المتشابه بتة، ما كان لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم أمير المؤمنين عليه السلام التفسير، معنى، لان معنى التفسير والتأويل إنما يكون لما غمض ودق ولم يعلم بظاهره. وهذه صفة المتشابه، وأما المحكم الذي يعلم بظاهره، فلا حاجة بأحد إلى تعليمه، لان أهل اللسان فيه سواء، ولولا أن الامر على ذ لك لما كان لدعاء النبي صلى الله عليه وآله لابن عباس (ره) بأن يعلمه الله التأويل معنى، لأنا نعلم أنه لم يرد عليه السلام تعليمه الظاهر الواضح، فلم يبق إلى الغامض الباطن.
ومن وجه آخر: أن حقيقة الواو الجمع، فوجب حملها على سنن حقيقتها ومقتضاها، ولا يجوز حملها على الابتداء الا بدلالة، ولا دلالة ههنا توجب صرفها عن الحقيقة، فوجب حملها على الجمع، حتى تقوم الدلالة.
وكان أبو حاتم السجستاني يقول: (إن الوقف على قوله تعالى:
[وما يعلم تأويله الا الله]، لأنه قد حذف من الكلام (أما)، وكأنه تعالى قال: (وأما الراسخون في العلم فيقولون آمنا به)، وزعم أنه إنما جاز حذفها لأنه قد جرى ذكرها وهو قوله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه). قال: (و (أما) لا تكاد تجئ في القرآن مفردة حتى تثني أو تثلث أو تزاد على ذلك كقوله
صفحة ١٣