فصل في الكلام في خلق الإنسان
فإنا نظرنا في خلق الإنسان، فإذا لخلقه ابتداء وانتهاء في الدنيا، فرأيناه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما، ثم كسيت العظام لحما، ثم طفلا، قد أعد فيه جميع ما يصلح له دينه ودنياه قبل حاجته إليه؛ فأعطي عينين للبصر، وأذنين للسمع، وأنفا للشم، ولسانا للذوق وللكلام، وفما لإدخال الغذاء، وسبيلين لإخراج الأذى، ويدين للبطش واللمس، ورجلين للمشي، وأشياء من دقائق الخلقة لا يهتدي واصفها، ولا يحسن كشفها من عروق منسوجة، ومعدة وأمعاء للأغذية، وعصب ودم، وجلد وشعر، وغير ذلك مما يكثر فيه الكلام. ورأيناه يزيد شيئا فشيئا، ويكبر قليلا قليلا، حتى يبلغ أشده، وقد أعطي العقل الذكي فعند ذلك يستنفع بجميع جوارحه، فيما يصلح دينه ودنياه، وقبل ذلك يستنفع بها فيما يصلح دنياه، فلما رأينا فيه أثر الخلقة، ورأيناه كان بعد أن لم يكن، علمنا أنه محدث بالمشاهدة، والعقل الضروري، وأنه مخلوق مقدر، ومصنوع مدبر.
ونظرنا إلى ما في الأرض من الحيوان من الدواب والطير [مخلوقة] لمنافع الإنسان، فمنها ما جعل نعمة، ومنها ما جعل بلية. فرأينا في جميعها ما يدل على حدوثها، وأنها مصنوعة مصورة، مخلوقة مقدرة.
صفحة ٨٦