وقال عليه السلام في موضع آخر في قول الله تعالى: {أفرأيتم ما تمنون ، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون}[الواقعة:58،59]، فالله هو الخالق ونحن الممنون، ليس لنا في ذلك -غير إمناء المني- من صنع، ولا نقدر بعد لما قدر بيننا من الموت على منع، من تقدير صنعنا وتدبيره، وتبديل خلقنا -إن شاء خالقنا- وتغييره، إلا ما تولاه ربنا، وكان منه لا منا، قال سبحانه: {أفرأيتم ما تحرثون ، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون}[الواقعة:63،64]، فالله هو الزارع ونحن الحارثون، ليس لنا في الزرع سوى حرثه من حيلة موجودة، ولا نقدر بعد الحرث على الإنشاء منه لسنبلة مذمومة ولا محمودة، فقدرتنا إنما هي على الحرث والأعمال، وعلى خلافهما من الترك والإغفال، وكذلك فلله من القدرة بعد على إبطال الزرع وإبلائه، مثل الذي كان له من القدرة على تثميره وإنمائه، ولا يقدر على أمر إلا من يقدر على خلافه، وعلى فعل ما كان من نوعه وأصنافه، فمن لم يكن كذلك ويصح صفته بذلك، كان بريا من القدرة عليه، وكان العجز في ذلك منسوبا إليه.
صفحة ٧٥