وغيرنا يقول: إنها كامنة فيهما ككمون الزيت في الزيتون، والدهن في السمسم. قلنا: هما من أجزاء السمسم والزيتون، وهو لا يكون إلا جزءا من الأشياء وبعضا منها. فإن قالوا: هو ظاهر فيه، أحالوا، لأن الماء غير النار، والنار غير الماء، وكذلك جميع الأشياء، ولو كانت النار ظاهرة في الماء لأطفأها الماء، ولو كانت ظاهرة في العود أو القطن لأحرقته فبطل ذلك، ولم يبق إلا أن الأصول قد عدمت وبطلت، وإذا ثبت أنها قد عدمت، فكيف يتهيأ للمعدوم فعل؟! وكذلك كان يجب أن تكون هذه الحوادث التي تحدث اليوم قديمة؛ إذ ليس المتقدم بأولى من المتأخر بالتقديم، فبطل ما قالوا، وصح أن الجمادات لا صنع لها، وقد احتج الله عليهم فقال عز من قائل: {أفرأيتم ما تمنون ، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون}[الواقعة:58،59]، ثم قال: {أفرأيتم ما تحرثون ، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون}[الواقعة:63،64]، وقال عز من قائل: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون}[الذاريات:49]. وقال القاسم بن إبراهيم عليهما السلام في الدليل الصغير: أما أوائل الأشياء فخلقت لا من شيء، وأما ما حدث بعد أوائل الأشياء فمنها ما حدث لا من شيء، ومنها ما أحدث من شيء.
صفحة ٧٤