١٨٤ - وحدث محمد بن يزيد بن عبد الحميد الكاتب بالرقة قال: حدثني السندي بن شاهك قال: كنت نائما ذات ليلة في غرفة الشرطة بالجانب الغربي من مدينة السلام، كما جرى به رسم ولاة الشرطة من المبيت في أعمالهم إلا في ليال معلومة، فرأيت في منامي جعفر بن يحيى بن خالد وهو واقف بإزائي، وعليه ثوب مصبوغ بالعصفر، وهو ينشد:
كأن لم يكن بين الحجونِ إلى الصَّفا ... أنيسٌ ولم يسمرْ بمكَّةَ سامرُ
بلى! نحنُ كنّا أهلها فأبادنا ... صروفُ اللَّيالي والجدودُ العواثرُ
فانتبهت فزعا وقصصت الرؤيا على أحد خواصي، فقال: هذه أضغاث أحلام، وليس كل ما رآه الإنسان وجب أن يفسر! وعاودت مضجعي فلم تمتلئ عيني غمضا حتى سمعت صيحة الرابطة والشرط وقعقعة لجم البريد، ودق باب الغرفة فأمرت بفتحها، فصعد إلي سلام الأبرش الخادم، وكان الرشيد يوجهه في مهماته، فانزعجت وأرعدت مفاصلي، فظننت أن الخليفة قد أمره بأمر في، وجلس إلى جانبي وأعطاني كتابا، وقال: اقرأه، ففضضته وإذا فيه: "يا سندي، كتابنا هذا بخطنا، مختوم بالخاتم الذي في يدنا، وموصله سلام الأبرش، فإذا قرأته فقبل أن تضعه من يدك فامض إلى دار يحيى بن خالد، للإحاطة عليه، وسلام معك، حتى تقبض عليه وتوقره حديدا وتحمله إلى الحبس في مدينة أمير المؤمنين المنصور، المعروف بحبس الزنادقة، وتتقدم إلى باذام بن عبد الله خليفتك بالمصير إلى الفضل ابنه مع ركوبك أنت إلى دار يحيى، وقبل انتشار الخبر، والتقدم إليه بأن يفعل مثل ما تقدم به إليك في يحيى، وأن تحمله أيضا إلى حبس الزنادقة، ثم بث، مع فراغك من أمر هذين، أصحابك في القبض على أولاد يحيى وأولاد إخوته وقراباته".
١٨٥ - ورأى ميمون بن هرون في منامه، وهو بسر من رأى، رجلا واقفا بباب العامة ينشد:
يا طالبَ الحقِّ أينَ الحقُّ وا أسفا ... غالتهُ غولٌ أمِ الإنصافُ مدفونُ
أضحى الخليفةُ مقتولًا تهضَّمه ... عبيدهُ وهو بالإرغام مقرونُ
فأصبح وقد قتل المعتز بالله.
١٨٦ - وذكر أبو بكر بن أبي الدنيا فقال: كان بنصيبين رجل يكنى أبا عمرو، وكان يواصل الشرب ولا يفتر عنه، فرأى في منامه قائلا يقول له:
جدَّ بك الأمرُ أبا عمرو ... وأنتَ معكوفٌ على الخمرِ
تشربها صرفًا صراحيَّة ... سالَ بك السَّيلُ وما تدري
فلما كان في اليوم الثاني من رؤيته ما رأى مات.
١٨٧ - قال الزيادي: كنت نائما فأتاني آت في منامي وقال:
من للطلاء والمغنا؟ ... ء ومن لشرب الخسرواني
قد ماتَ شيخُ الكافري؟ ... نَ وكان داهيةَ الزَّمانِ
فانتبهت بصوت الناعي لإسحاق بن إبراهيم.
١٨٨ - وحدثنا أبو الفضل الربعي عن أبيه قال: كان عبد الله بن قثم بن عبد الله بن العباس أمير مكة في زمن المهدي، وكان متزوجا بلبابة بنت علي بن عبد الله بن العباس، فاتفق أن كان قائلا يوما ورأى رؤيا .. قال ابن صيفي: وأرسل إلي يدعوني فلما جئته قال لي: رأيت يا أبا إسماعيل في قائلتي ما قد أزعجني، وأراني والله ميتا! قلت: وما ذاك؟ قال: رأيت وجها برز إلي من هذا الجدار وقال منشدا:
بينما الحيُّ وافرونَ بخيرٍ ... حملوا خيرهمْ على الأعوادِ
قلت: يبقي الله الأمير، ولعل ذلك من الشيطان! قال: ما كان وجه شيطان! قلت: لعل الميت غيرك! فقال: من هو؟ عساك تعرض بلبابة بنت علي؟ نعم هي والله خير مني وأمجد .. فما مضى على هذا الحديث شهر حتى توفيت لبابة، فأقمنا بعد ذلك بسنة فأرسل إلي في مثل الوقت من اليوم المتقدم فقال: رأيت ذلك الوجه بعينه، خرج إلي في القائلة وأنشد ذلك البيت بعينه، وأنا والله ميت وما بقيت، لبابة أخرى! فقلت: يبقيك الله أيها الأمير! وما مضى شهر حتى مات.
1 / 49