119

حضارة العرب

تصانيف

وكان سلطان الإسلام السياسي والديني قويا في بلاد الهند، ورسخ فيها ثمانية قرون بفضل ملوك الإسلام الذين تداولوا حكمها، ولا يزال سلطان الإسلام الديني قائما في بلاد الهند، وإن توارى سلطانه السياسي عنها، وهو يمضي قدما نحو الاتساع.

ووجد المسلمون، حين أوغلوا في الهند، حضارة قديمة أرقى من حضارتهم، وعرفوا كيف يمزجونها بها، ومما يستوقف النظر ما استطاعوه في زمن قصير من نشرهم لمعتقداتهم في قسم كبير من هذا القطر الواسع.

شكل 3-5: باب مسجد قطب وعمود الملك دهاوا المصنوع من الحديد «بالقرب من دهلي» (من تصوير فريث الفوتوغرافي).

وأعجب غزاة المسلمين بمباني الهندوس المغلوبين، واسمع ما قاله محمود الغزنوي في كتاب أرسله إلى أحد قواده عن مدينة مترا، التي كانت مشهورة أيضا، في القرن الخامس عشر قبل الميلاد:

تحتوي مدينة مترا العجيبة على أكثر من ألف من المباني المتينة متانة أهل الإيمان، والمصنوع أكثرها من الرخام، ولا يشتمل هذا العدد على معابد الكافرين، وإذا عد المال الذي أنفق على إنشاء هذه المباني بلغ ألوف الألوف من الدنانير، فضلا عن أنه لن يقام مثل هذه المدينة في أقل من قرنين، ووجد جنودي في معابد المشركين خمسة أصنام من الذهب ذوات عيون من ياقوت أحمر تساوي قيمته خمسين ألف دينار، ووجدوا فيها صنما آخر من الذهب مزخرفا بما زنته أربعمائة مثقال من الياقوت الأزرق، وذا نصمة بلغ وزنها عند الصهر ثمانية وتسعين مثقالا من الذهب الخالص، ووجدوا فيها، فضلا عن ذلك، نحو مائة صنم من الفضة يعدل وزنها حمل مائة بعير.

وقام ملوك جدد مقام أصحاب غزنة، ثم جاء المغول فحلو محلهم، وهنا نرى تنبيه القارئ إلى أن الذين تم لهم السلطان على الهند لم يكونوا عربا بدمائهم، وإنما كانوا من دعاة دين العرب وحضارتهم.

ويصل الباحث، حين يدرس تأثير العرب في الأمم التي اختلطوا بها، إلى إحدى النتيجتين الآتيتين، وهما: إما أن تكون حضارة العرب قد حلت محل حضارة الأمة المقهورة كما حدث في مصر، وإما أن تكون قد امتزجت بحضارة الأمة المغلوبة كما حدث في بلاد فارس والهند، وفي بلاد الهند بلغ امتزاج حضارة العرب بحضارة الهند مبلغا بدت علائمه حتى على المذاهب الدينية، ثم حدث أن أتى بعدئذ عنصر الحضارة الفارسية، فاشترك هذا العنصر أيضا في ذلك الامتزاج.

ويدل درس المباني في بلاد الهند على درجة تأثير العرب فيها في مختلف الأدوار، وعلى درجة تمازج تلك العناصر الثلاثة، وكان تأثير العرب سائدا لمباني الدور الأول، كباب علاء الدين الذي يكاد يكون أثر الفن الفارسي فيه غير موجود، والذي لا يبدو أثر الفن الهندي في غير تفرعاته؛ لعدم ملاءمة معابد الهند القديمة لمناحي الحضارة الجديدة، فاقتصر أتباع النبي على الانتفاع ببعض أجزاء هذه المعابد.

وظل تأثير الفن العربي في تلك المباني واضحا بضعة قرون أخرى وإن توارى العرب عن مسرح العالم بالتدريج، ثم أخذ المجال يتسع للفن الفارسي فتم له النفوذ على حساب الفن العربي والفن الهندوسي اللذين أخذ نطاقهما يضيق.

شكل 3-6: منارة قطب بالقرب من دهلي (من صورة فوتوغرافية).

صفحة غير معروفة