العيون في تصحيحها وذابت الأبدان في تنقيحها، وقطعوا في تحصيلها من معادنها البلدان، وهجروا في تنقيتها الأولاد والنسوان، كما لا يخفى على من تتبع السير والأخبار، وطالع الكتب المدونة في تلك الآثار، فإن المستفاد منها - على وجه لا يزاحمه الريب ولا يداخله القدح والعيب - أنه كان دأب قدماء أصحابنا المعاصرين لهم (عليهم السلام) إلى وقت المحمدين الثلاثة في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة ضبط الأحاديث وتدوينها في مجالس الأئمة، والمسارعة إلى اثبات ما يسمعونه خوفا من تطرق السهو والنسيان، وعرض ذلك عليهم، وقد صنفوا تلك الأصول الأربعمائة المنقولة كلها من أجوبتهم (عليهم السلام) وأنهم ما كانوا يستحلون رواية ما لم يجزموا بصحته، وقد روي أنه عرض على الصادق (ع) كتاب عبيد الله بن علي الحلبي فاستحسنه وصححه، وعلى العسكري (ع) كتاب يونس بن عبد الرحمن وكتاب الفضل بن شاذان فأثنى عليهما، وكانوا (عليهم السلام) يوقفون شيعتهم على أحوال أولئك الكذابين، ويأمرونهم بمجانبتهم، وعرض ما يرد من جهتهم على الكتاب العزيز والسنة النبوية وترك ما خالفهما.
فروى الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال (1) بإسناده عن محمد ابن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن: أن بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر فقال:
يا أبا محمد ما أشدك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على رد الحديث (2)؟ فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله (ع) يقول:
" لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد (لعنه الله) دس في كتب (3) أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وآله " قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ووجدت أصحاب
صفحة ٩