بالاستدلال. وأما عن الأخيرين فيمكن (أولا) الحمل على كون الاستدلال جدليا إلزاميا للخصم القائل بجواز الرؤية بالاجماع الذي يعتقد حجيته على ما ينافي مدعاه من جوازها. و (ثانيا) بأنه على تقدير دلالتهما على الحجية في الجملة فلا دلالة لهما على العموم في الأمور العقلية والنقلية، إذ متعلق الاستدلال هنا الأمور العقلية. والجواب - بأنه لا قائل بالفرق - مردود بأن اللازم من ذلك الاستدلال بفرع من فروع حجية الاجماع قبل ثبوت أصل حجيته. على أن المفهوم - من رسالة الصادق (عليه السلام) التي كتبها لشيعته وأمرهم بتعاهدها والعمل بما فيها المروية في روضة الكافي (1) بأسانيد ثلاثة - أن أصل الاجماع من مخترعات العامة وبدعهم، قال (عليه السلام): " وقد عهد إليهم رسول الله (صلى الله عليه السلام) قبل موته فقالوا: نحن بعد ما قبض الله تعالى رسوله يسعنا أن نأخذ ما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال (عليه السلام): فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه.. الحديث ".
وبالجملة: فإنه لا شبهة ولا ريب في أنه لا مستند لهذا الاجماع من كتاب ولا سنة. وإنما يجري ذلك على مذاق العامة ومخترعاتهم، ولكن جملة من أصحابنا قد تبعوهم فيه غفلة، كما جروا على جملة من أصولهم في مواضع عديدة مع مخالفتهم لما هو المستفاد من الأخبار، كما سيظهر لك إن شاء الله في ضمن مباحث هذا الكتاب.
وقد نقل المحدث السيد نعمة الله الجزائري (قدس سره) - عن بعض مشايخه في بيان وجه العذر لمشايخنا المتقدمين في اختلاف الاجماعات المنقولة عنهم - ما ملخصه:
أن الأصول التي كان عليها المدار وهي التي انتخبوا منها كتب الحديث المشهورة الآن كانت بأيديهم، وإنما حدث فيها التلف والاضمحلال من زمان ابن إدريس لأسباب
صفحة ٣٩