بوائق الحدثان، وانجذام يد الدين المنيف، وخمود صيت الشرع الشريف، في كل ناحية ومكان. وتشتت أهاليه في أقاصي البلدان، بل اضمحلال الفضلاء منهم والأعيان، حتى لقد أصبحت عرصات العلم دارسة الآثار، ومنازله مظلمة الأقطار، وعفت أطلاله ومعالمه، وخلت دياره ومراسمه.
خلت من أهاليها الكرام وأقفرت * فساحتها تبكي عليهم تلهفا وأوحش ربع الأنس بالإنس بعدهم * كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ولم تبق في ساحتها إلا قوم ببلدح عجفى. ولا من عرصاتها إلا دمنة لم تكلم من أم أوفى. وكنت ممن رمته أيدي الحوادث في الديار العجمية، وقذفته في تلك الأقطار منجنيق الرزية، على ما هي عليه من ترادف البلايا بلية إثر بلية، واضمحلال اسم الشرع فيها بالكلية، وتلبس الأغبياء بلباس الأفاضل. وتصدر الجهلاء لافتاء المسائل. فلم تزل تترامى بي أقطارها فأطوي هناك المراحل، وأقصد اليم فتقذفني الأمواج إلى الساحل يوما بحزوى ويوما بالعقيق * وبالعذيب يوما ويوما بالخليصاء حتى أنخت ركابي بدار العلم شيراز. ومن الله تعالى بالإكرام فيها والاعزاز، فبقيت فيها برهة من السنين مع جملة الأهل والبنين. في أرغد عيش وأصفاه، وأهنأ شراب وأوفاه، مشتغلا بمدارسة العلوم الدينية. وممارسة الأخبار المعصومية، فخطر بي ذلك الخاطر القديم. وناداني المنادي أن يا إبراهيم، فبقيت أقدم رجلا وأؤخر أخرى. وارى أن التقديم أحق وأحرى، فكم استنهضت مطي العزم على السير فلم تساعد. وبئس السير على ذلك العير الغير المساعد. إلا أني قد أبرزت ضمن تلك المدة جملة من الرسائل في قالب التحقيق. ونمقت شطرا من المسائل على نمط أنيق وطرز رشيق، حتى عصفت بتلك البلاد ريح عاصف حتت الورق، وفرقت من عقد نظامها ما اتسق. ولعبت بها أيدي الحوادث التي لا تنيم ولا تنام، وسقت أهلها من مرير علقهما كؤوس الحمام، قتلا وسلبا وأسرا وهتكا، كأنهم
صفحة ٣