منحة العلام في شرح بلوغ المرام
الناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٧ - ١٤٣٥ هـ
تصانيف
الوجه الثالث: اختصر الحافظ الحديث، فلم يذكر إلا الشاهد منه، وأول الحديث عن أبي واقد ﵁ قال: قدم النبي ﷺ المدينة وهم يَجُبُّون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم، قال: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة) وهذا لفظه عند الترمذي، وعند أبي داود بدون ذكر سبب الحديث.
الوجه الرابع: في شرح ألفاظه:
قوله: (ما قطع ..) يجوز أن تكون (ما) موصولة أو شرطية، ويكون قوله: (فهو ميت) جواب الشرط، أو خبرًا للمبتدأ وهو (ما) الموصولة، واقترن الخبر بالفاء لشبه الموصول بالشرط في العموم.
قوله: (من البهيمة) هي ذوات الأربع من الإبل والبقر والغنم، أو كُلُّ حي لا يميز، وهذا أعم من الأول، و(من) بيانية، وسبب الحديث يدل على أن المراد بالبهيمة الإبل والغنم.
قوله: (فهو ميت) هكذا في بعض نسخ البلوغ، والذي في الترمذي: (فهو مَيْتة)، وهي بسكون الياء، يقال: مَيْتة - بالتخفيف - وميّتة - بالتشديد ـ، والتخفيف أكثر (^١)، والميتة ما لم تلحقه الذكاة، ومعنى (فهو ميتة) أي: حرام كالميتة، لا يجوز أكله؛ لأنه ميت بزوال الحياة عنه، وكانوا يفعلون ذلك في حال الحياة - كما تقدم - فنهوا عنه.
الوجه الخامس: اعتبر العلماء لفظ هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الأحكام، يدل على أن ما قطع من البهيمة في حال حياتها من سنام بعير، أو ألية شاة، ونحو ذلك، فهو ميتة محكوم بنجاستها، إذ الميتة كذلك، فيحرم أكله والانتفاع به، قال ابن تيمية: (وهذا متفق عليه بين العلماء) (^٢).
وهذا عام مخصوص بما قطع من حيوان ميتته طاهرة، كالجراد والسمك، فيكون طاهرًا، فما وقع منه في ماء فهو طاهر.
كما يستثنى من ذلك الشعر والصوف والوبر والريش إذا قُصَّ بدون أصوله، والله أعلم.
_________
(^١) "المطلع" ص (١٠).
(^٢) "مجموع الفتاوى" (٢١/ ٩٨).
1 / 77