منحة العلام في شرح بلوغ المرام
الناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٧ - ١٤٣٥ هـ
تصانيف
وأما ما قيل من اضطراب متنه بلفظ: (قلتين أو ثلاثًا): فهو من رواية حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر. وحماد وإن كان ثقة إلا أنه تغير في اخر عمره، والاختلاف منه؛ لأن الذين رووه عنه جماعة، وفيهم حفاظ أثبات، رووه باللفظين معًا - أعني بلفظ الشك؛ وبدون لفظ الشك - فدل على أن الاختلاف منه دون غيره، لكن رواية من رواه بدون قوله: (أو ثلاثًا) أولى بالصواب؛ لأنها رواية الأحفظ، ولأنها موافقة لرواية أبي أسامة عن الوليد بن كثير، وأما رواية الأربعين فليست من حديث القلتين بشيء، على أن أبا عبيد القاسم بن سلام ذكر أن هذا الحديث بلفظ الأربعين إن كان محفوظًا فلا يراد به قلال هجر؛ لأن الناس قد كانوا يسمون الكيزان التي يُشرب فيها قلالًا، يكون مبلغ الكوز منها رطلين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك (^١).
الوجه الثالث: في شرح ألفاظه:
قوله: (قلتين) بضم القاف، تثنية قلة، وهي الجرة الكبيرة من الفخار، ويطلق عليها (الحُب) بضم الحاء؛ سميت بذلك لأنها تُقَلُّ، أي: تحمل؛ وهي قلال هجر، معروفة عند الصحابة، وعند العرب مستفيضة، وأما تقييدها في بعض الروايات بـ (قلال هجر) فلم يثبت؛ لأنه من أفراد مغيرة بن سقلاب، عن محمد بن إسحاق، وهو منكر الحديث، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه، خالف في ذلك سائر الثقات من أصحاب ابن إسحاق. والمراد في الحديث: القلة الكبيرة؛ لأن التثنية دليل على أنها أكبر القلال، إذ لا فائدة في تقديره بقلتين صغيرتين مع القدرة على التقدير بواحدة كبيرة، والظاهر أن النبي ﷺ ترك تحديدها توسعة على الناس؛ لأنه لا يخاطب الصحابة ﵃ إلا بما يفهمون، فانتفى الإجمال، لكن لعدم تحديدها وقع الخلاف في ذلك على أقوال كثيرة، لعل أقربها أن القلتين خمسمائة رطل بالبغدادي، وهي خمس قِرَبٍ، كل قِربة مائة رطل، ولعلهم أخذوا ذلك ممن رأى قِرَبَ الحجاز، وعرف أن ذلك مقدارها. قال ابن جريج فقيه الحرم المكي وإمام الحجاز في
_________
(^١) "الطهور" ص (٢٣٩).
1 / 38